الأحد، 16 نوفمبر 2014

أسباب الخريف الإفريقي في بوركينا فاسو

الرأي الازوادي - وكالات

 ثلاثة أيام من الاحتجاجات كانت كافية لإنهاء سبعة وعشرين سنة من حكم الرئيس كومباوري، حيث لم يقبل شعب بوركينا فاسو محاولة رئيسه تعديل الدستور الذي كان يمنعه من الترشح لولاية خامسة. وأمام غضب الشارع، حاول بليز كومباوري في البداية إنقاذ نفسه من خلال سحب هذا التعديل، قبل أن يقرر في وقت لاحق الاستقالة.
وأمضى، الأربعاء، الكولونيل إسحاق زيدا، الذي نصبته قيادة الجيش لقيادة المرحلة الانتقالية في البلاد بعد تنحي الرئيس بليز كومباوري ولجوئه إلى ساحل العاج، اتفاقًا مع المعارضة والمجتمع المدني، فضلاً عن الزعماء التقليديين والدينيين، “لتشكيل حكومة انتقالية لمدة سنة واحدة “، و” تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نوفمبر 2015 “.
تلاشي الآمال الديمقراطية
مع وجوب اليقظة، فإن هروب كومباوري يعتبر حدثًا تاريخيًا في إفريقيا، فلأول مرة يضطر رئيس دولة إفريقية لأن يترك منصبه تحت ضغط شعبي بعد محاولته العبث بالدستور. ولكن، هذه ليست صدفة أن شعب بوركينا فاسو هو أول من انتزع هذا النصر لصالح سيادة شعب.
فمنذ فترة طويلة، كان يعتقد شعب بوركينا فاسو أن نظام الحكم يسمح بالتناوب. وخلال القمة الفرنسية الإفريقية في بول في عام 1990، بيّن الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران، أن “المساعدات التنموية ستصبح مشروطة بمسار التحول الديمقراطي”.
في بوركينا فاسو، سلمت الحكومة العسكرية، التي جاءت بعد انقلاب عام 1987، الحكم إلى الجمهورية الرابعة مع وضع دستور جديد، ينص على التعددية الحزبية والانتخابات بالاقتراع العام.
ولكن، سرعان ما أصيب الناس بخيبة أمل، فبحسب بيتر راتل، المدير العلمي لمخبر المواطنة في واغادوغو، فإن “ما حدث بالفعل، هو تركيز نظام شبه سلطوي، بمعنى أنه يحترم الإجراءات الديمقراطية، ولكن كل شيء يتم التحكم فيه سياسيًا من قبل الحزب الحاكم”، ففي عام 1997، حذف كومباوري المادة 37 التي تنص على أن مدة الرئاسة قابلة للتجديد مرة واحدة. ولم تستطع المعارضة، المجزأة لأكثر من سبعين حزب في ذلك الوقت، القيام بأية ردة الفعل.
طفح الكيل من “زمرة كومباوري
وبعد ذلك بعام، تسبب قتل الصحافي نوربرت زونغو في اندلاع حركات احتجاجية في البلاد، ولتهدئة الوضع، وافقت الحكومة في عام 2000 على إعادة المادة 37 من الدستور مع تأكيد عدم رجعيتها في حال قدم الرئيس كومباوري ترشحه للرئاسة من جديد في عامي 2005 و 2010، وهكذا فإن هذا الأخير “خرج ضعيفًا بعد الأزمة التي سببها مقتل زونغو. كما أعرب شعب بوركينا فاسو عن أسفه لعدم استفادته من هذه الأزمة لإبعاد كومباوري عن الحكم واستعادة الديمقراطية، وتعهد بعدم التفريط في الفرصة القادمة” بحسب بيتر راتل، الذي أضاف أنه “وفي الوقت نفسه، انفجر عدد السكان الذين هم أقل من خمسة وعشرين عامًا، ليمثل 60٪ من التعداد الإجمالي للسكان. ليصبح هناك صراع بين جيل الشباب الذي لم يعرف إلا نظام كومباوري، والجيل القديم من الذين لديهم مقاليد الحكم ومن حلفائهم”.
وهز شباب المدن النظام في عام 2011 بعد موجة من أعمال الشغب والمظاهرات الطلابية، ليصبحوا بذلك القوة الدافعة للحركات الاجتماعية التي لم تعد تقبل بـ”زمرة كومباوري”، هذه البرجوازية الثرية للغاية، والتي تحتكر لمدة ما يقرب من ثلاثة عقود جميع مواقع القيادة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وستكون إعادة النظر في مشروع القانون المتعلق بالمادة 37 في أكتوبر القشة التي قصمت ظهر البعير، و”الفرصة” التي لا ينبغي تفويتها. وهذه المرة، اصطفت المعارضة والمثقفون وحركات المواطنين لقيادة حوار وطني وتعبئة السكان، الذين استجابوا للدعوات للتظاهر والعصيان المدني.
تعزيز المعارضة
تدار أحزاب المعارضة بشكل رئيس من قبل الليبراليين الذين عملوا لصالح بليز كومباوري، هذه المعارضة التي احتشدت وراء الاتحاد من أجل الشعب بقيادة زعيم المعارضة زيفيرين ديابري، وزير المالية السابق لبليز كومباوري، والذي كان أيضًا المدير العام للمجمع الفرنسي “أريفا” في إفريقيا والشرق الأوسط.
كما أن لأحزاب المعارضة الميزة، كونها أصبحت منظمة بما يكفي لإنجاح، منذ يونيو حزيران عام 2013 ، عمليات حشد السكان في عديد من المرات وبحضور عشرات الآلاف من الناس.
كما قام المجتمع المدني بعديد من عمليات التعبئة، مثل عملية “المواطن المقشة”، والتي أنشأتها جمعية من الموسيقيين، الذين تعرضوا للتهديد بسبب كتابتهم لأغاني تمجّد توماس سانكارا، الرجل الذي حكم بوركينا فاسو قبل بليز كومباوري .
ولكن، ماذا بقي حقًا من الإرث السياسي لتوماس سانكارا، رمز عموم أفريقيا والعالم الثالث؟
جاء توماس سانكارا إلى السلطة في عام 1983، وكان قد قاد بلاده بنجاح على مسار الثورة والمناهضة للإمبريالية قبل أن يتم اغتياله في عام 1986، خلال الانقلاب الذي جاء بصديقه القديم بليز كومباوري إلى السلطة.
وقد طور نقدًا بليغًا ضد الاستعمار الجديد، حيث قال: “هذه المساعدات الغذائية، التي تستقر في أذهاننا لتجعلنا نتصرف كمتسول يطلب المساعدة. كل هذا نحن لا نريده! يجب أن ننتج، وننتج أكثر من المعتاد؛ لأنه من الطبيعي أن من سيوفر لك الأكل سيملي عليك إرادته”. وسانكارا، هو الرجل الذي رفض التوقيع على قروض مع صندوق النقد الدولي.
إرث سانكارا
الديون بالنسبة لسانكارا، كانت تعني “الرجوع بذكاء للمستعمر في إفريقيا، حتى يرتهن نموها وتطورها بمعايير غريبة علينا”.
ولكن في الواقع، فإن الإرث السياسي للزعيم الأسطوري هو أكثر من ذلك بكثير؛ إذ يقول بيتر راتل:  “إن الأجيال الشابة للمعارضة بالكاد تتذكر نظرة سانكارا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ما يدينون له هو تكريس وحدة شعب بوركينا فاسو، حيث جذّر سانكارا، وبعمق، فكرة الأمة والوطن؛ ونتيجة لذلك، وعلى عكس بلدان إفريقية أخرى، فإن الساحة السياسية في بوركينا فاسو لم تتعرض للتقسيم على أسس عرقية أو إقليمية أو حتى دينية. خصوصًا وأن بليز كومباوري اهتم بالخصوص بعدم اللعب بمثل هذا النوع من الانقسامات، وهو ما سمح للناس بالتكتل باسم المصلحة الوطنية، ضد النظام، ولكن أيضًا مع ضمان وحدة الجيش، هذا الجيش الذي كان في جزء كبير منه إلى جانب الشعب”.
العديد من الدول الإفريقية، في غينيا، والكاميرون، والكونغو، وبوروندي، وبنين، وجيبوتي أو في رواندا، تحلم من دون أدنى شك في أن تحذو حذو بوركينا فاسو وتمنع رؤسائها من إعادة كتابة الدستور لعديد من المرات. ولكنه، من غير المؤكد ضمان صلابة السياسات الوطنية لهذه البلدان بما فيه الكفاية، لتجنب الانقسامات بسبب الهوية.
المصدر- التقرير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة الرأي الأزوادي2014