الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

“آزواد” بين جمل هولاند، وبقرة كيتا، والقطط السمان

الرأي الأزوادي - الحدث الأزوادي 

إبراهيم الأنصاريإبراهيم الأنصاري*
الخطاب الفرنسي في حفل تنصيب كيتا لم يكن عفويا، ولا مرتجلا وإن ظهر فيه هولاند على غير عادة الساسة، فكان عاطفيا من جهة احتفائيا من جهات أخرى بما أسماه بالنصر على الإرهاب في مالي، وكأنه في حشد انتخابي وليس في مناسبة تنصيب رئيس منتخب لدولة يفترض أن تكون مستقلة متجاهلا في تعمد أي إشارة إلى السبب الحقيقي لما مرّت به حليفته مالي من أزمات ليس بسبب ما أسماه بالإرهاب الذي تواجد وانتشر في المنطقة منذ أكثر من عشر سنين؛ بل بسبب قضية عادلة لشعب يزيد إصرارا على الحصول على حقوقه أسوة بالشعب الفرنسي الذي حارب النازية بكل شراسة، كما تغافل “نابليون باماكو” عن فشله في تحرير الرهائن الفرنسيين المحتجزين لدى الجماعات الإرهابية، بل أجزم بأن كل الذي عاد به من هذه الحرب إضافة إلى “الجمل المسروق” مجموعة من التوابيت المحملة بجثامين لجنوده لقوا حتفهم في مناورة تحاول من خلالها فرنسا إثبات رسوخ قدمها في القارة الإفريقية، والتأكيد على كونها الحديقة الخلفية للإليزيه.
هذا الخطاب الباهت الذي غابت عنه الدبلوماسية من متحدث يفترض أنه يمثل دولة تعد نفسها عظمى ومتحضرة حيث يقوم الساسة في هذا النوع من الخطابات بدعوة الفرقاء إلى الجلوس والتفاوض، وعرض المساعدة، ودعم التوجه السلمي، الأمر الذي لم يلتفت إليه هولاند، كما لا يمكن وصف خطابه بالمنحاز؛ لأن الانحياز يكون إلى طرف على حساب طرف آخر، ولكن خطاب هولاند يمكن وصفه بالاقصائي؛ حيث لم يرد ذكر القضية الأزوادية إلا في السياق السلبي، ما بين تهمة الإرهاب أو دعوى الإجرام، وإمعانا في النكاية بالأزواديين لم يكتف هولاند بتجاهل وجودهم، بل أكد لكيتا بقاء قواته في مالي حتى انتهاء أزمتها التي لا يرغب هولاند نفسه في حلها مع توافر الظروف المناسبة في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى؛ لذلك أزعم بأن الخطاب أظهر  بجلاء أن القضية الأزوادية وحلها الذي يضمن الاستقرار في مالي ومنطقة الساحل ليس من أولويات باريس في هذه المرحلة، وأن كل التنازلات التي قدمها الأزواديون؛ بسبب رغبتهم في الوصول إلى حل من جهة، واستجابة لضغوطات دول الجوار من جهة أخرى التي أظهرت بدورها اهتماما مؤقتا بالحل نتج عنه اتفاق “وغادغو” ظهر أن الغرض منه استعماله كجسر؛ لإنهاء مشكلة مالي الدستورية المتعلقة بضرورة إجراء الانتخابات، وليس الوصول لحل لأزمتها مع الأزواديين.
كيتا بدوره لم يكن أحسن حالا مع أنه فوّت على نفسه  فرصة استعراضية نادرة لو أنه قفز فوق تلك المسلمات التي يعتقدها، ومد يده لمصالحة وطنية، وقام باستثمار الحفل بطريقة دبلوماسية؛ ليؤكد للآزواديين بأن عصر التهميش والتهجير والتقتيل قد انتهى، وأنني (أي كيتا) وأنتم سنصنع وطنا جديدا وسلاما فريدا يكون أنموذجا في القارة السمراء التي لا تنطفئ فيها نار أزمة حتى تشتعل على إثرها أخرى، ولكن كيتا بغبائه الفطري آثر صبّ الزيت على النار، والنفخ في رماد الأزمة من جديد متكأً في موقفه هذا على وعود الدعم التي قدمتها الوفود المشاركة، وخاصة فرنسا، وكذلك ما عرفه عن الآزواديين في السابق من استعجال النتائج، والرضى بتسويات شكلية، ومكاسب أغلبها شخصية، فاسترسل يقول كلاما لا يقوله زعيم قبيلة يحترم نفسه وقومه فضلا عن رئيس دولة انتخبه شعبه واختاره، فأخذ يشكر هذا الرئيس على دعمه، ويصف شجاعة جنود ذاك، ويستجدي الثالث، في منظر مزر مخجل، موقف كيتا في حفل التنصيب، وما تلاه من خطوات عملية تصعيدية يبدو أنها رتّبت سابقا؛ استجابة للإشارات التي وصلت إلى كيتا من بعض المنتفعين من القضية الأزوادية الذين صوروا له على ما يبدو أن موعد تصفية القضية قد حان، وأن ما تمّ من الاتفاقيات والاجتماعات يمكنه القفز عليها، وكأنه اللاعب الوحيد، بعد أن مهد له أولئك المنتفعون الطريق، وظهر ذلك جليا في تصريحاتهم وتصرفاتهم، وكأنهم أصحاب القرار.
لكن الذي لم يكن في حسبان هولاند من جهة، وكيتا ومن حوله من القطط السمان من جهة أخرى، أن القضية لم تعد في يد أحد، وأن وقت الصفقات المشبوهة خلف الأبواب المغلقة قد انتهى زمنه، ويجب على أصحاب تلك الأساليب أن يختفوا من المشهد، ويعلموا أن الشعب اليوم خرج من وصايتهم، ولم يعد ممكنا أن تتم تسوية الأمور كما يجري الأمر سابقا، وهذا ما ظهر جليا من خلال الاجراءات التي تمت، والتي كان آخرها تعليق المشاركة في اللجان المنبثقة عن اتفاق “وغادغو” والذي أظهر جليا بأن باماكو وبعد كل الدعم الذي تلقته من مختلف الدول قد نفضت يدها من الاتفاق، ولم يعد يلزمها مما جعل الأزواديين يلوحون بالعودة مرة أخرى إلى السلاح اللغة الوحيدة التي تفهمها حكومات مالي دون الحاجة إلى فرق ترجمة.. ختاما فإن القضية الأزوادية في هذه الأيام تمر بمرحلة غاية في التقلب والاضطراب، ودول الجوار يبدو على مواقف بعضها التغير، وأن رهانات باماكو على جهات بعينها قد لا يسعفها في الأيام القادمة، وإذا رغبت مالي يوما في حل القضية فعليها بالتوجه إلى أصحابها، أما غير ذلك فإنها تسلك طريقا يزيدها ضعفا، ويزيد أكلاف الحل التي لا تقدر باماكو على تخيلها فضلا عن تحملها.

* كاتب آزوادي
  المصدر - موقع الحدث الأزوادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة الرأي الأزوادي2014