الاثنين، 7 أكتوبر 2013

الصراع الديني حول التاريخ

الصراع الديني حول التاريخ

    يتجلى الجهل في أبشع صوره حين يتم المزج بين السياسة والدين في تقييم أسطورة تاريخية لها حظها من الحنكة والحكمة في إدارة الأمور وسياسة الدولة.

    في ظل واقع مأزوم فإننا لن ننفك عنه -بل وقد نزيده تأزّما- حينما لا يتجلى التاريخ أمام العقول في تقييم سياسي لشخصيات أبدعت في عالم الدولة وإدارتها دون النظر إلى ما وصلت إليه هذه الشخصيات من انحطاط أو سمو في عالم الروح والدين.

    النهل من معين حكمة كثير من الشخصيات السياسية التاريخية لا يعني الانطلاق دونما حد يقف مقيدا للتجارب السياسية أن توضع في دائرة الممكن أو المباح ، نظرا لرادع ديني امتزج فيها ، أو مهزلة أخلاقية تجلّت فيها ، حيث السياسة وقذارتها المعروفة.

    من الطبيعي أن يمتزج العمل الدعوي الاسلامي بالأخطاء نظرًا للطبيعة البشرية التي تعتري أصحابه ، إلا إن بعض المواقف الطائفية المقيتة تحول دون الاستفادة من تجربة سياسية لشخصية تاريخية نظرا لانحطاطها الديني والذي من المفترض ألا يعني للبشر شيئا!

    يحتاج العالم الاسلامي اليوم إلى تقييم سياسي منطقي عادل للشخصيات التاريخية البارزة في التاريخ الاسلامي لا يحيد عن الطريق المستقيم لانتماء لطائفة معينة ، يقيّم التجربة السياسية فحسب ، لا حاجة لنا بكشف حقيقة نفاق أو إيمان بعضًا من هذه الشخصيات ، إن حسابهم إلا على ربي وما تشعرون!

    مثالية النقد التاريخي تتم عبر إتقان الكم والكيف ، فالكم هو مدى مقدار العودة للتاريخ ، والذي يفترض أن يكون بأقصى درجاته ؛ نظرا للنواميس التي تشكّل أحداث التاريخ ، والتي هي ذاتها تشكّل أحداث الحاضر ، وأما الكيف فهي الكيفية التي يتم من خلالها النقد ، فإن اتجه نحو التقييم الديني ، ومدى نفاق أو إيمان الشخصيات التاريخية ، فإن النقد سيختلّ نظرا لاختلال جزئية الكيف ، وأما إن اتجه الكيف نحو المسار العقلاني ، والذي يجنّب الحقيقة الروحية للشخصية جانبًا لينظر ما مدى مثالية أفعاله السياسية فإن المثالية الكيفية ستصْطف جانبًا للمثالية الكمّية واللتان ستنتجان نقدا تاريخيا مثاليا يساهم في علاج التأزّم الواقع في عالمنا اليوم.

    لكل أمة منهجيتها في العودة للتاريخ والتنقيب فيه عما يخلص واقعهم من مشاكله وتأزّماته . العالم الإسلامي اليوم مشحون بالعودة للتاريخ والتنقيب عن آيات النفاق والإيمان في بعض الشخصيات البارزة ، وكأنما لا يريدون أن يتركوا شيئًا ليوم الحساب!

    ما يجري في العالم الاسلامي اليوم هو عملية التفاف عن التوظيف التاريخي الإيجابي إلى العودة الكثيفة للتاريخ والتي تتم عبر صراع فريقين يمتلكان رؤى متباينة حول المصير الأخروي لبعض بني الانسان الموارين للتراب!

    الصراع الديني حول التاريخ معاكس للاتجاه الاسلامي في التوظيف الإيجابي للسير في الارض المذكور مرارًا في القرآن بُغْية أخذ العبرة من الأمم الغابرة واستخلاص السنن التي عليها تقوم الحضارات وتنهدّ لا صراعًا وقتالًا حول ما لا يقدم ولا يؤخر سوى مزيدًا من الطائفية والبغضاء.

    انعدام الفائدة التاريخية من خلال إحلال الصراع الديني حوله بدل الاستخلاص المعرفي منه يعني التخبط والرؤية المُعْتمة ؛ حيث إن الدنيا -عند كل جيل- هي مزيج بين حاضرهم وتاريخ مَن سبقهم ، فالتعويل على قدرتهم دون استخلاص حقيقة الدنيا من نهاية مَن سبقهم يعني اختلال الأفهام والمدارك عما يجدر بالناس فعله تجاه واقعهم.

    الصراع الديني حول التاريخ هو غياب عن حدود الحاضر ومتطلباته ، وانحراف عن المسار الإيجابي في التوظيف التاريخي ، وفي هذا انسحابٌ عن البناء والتقدم إلى التشاجر حول عيّنات قد فارقت الدنيا.

    وواهمٌ من يظن أن في الصراع الديني حول التاريخ خدمة للدين وتوجهاته ، حيث إن ما يسعى  الاسلام في تقريره هو العيش في حدود الواقع ومتطلباته ، ويظهر ذلك جليّ في مسألة القضاء والقدر ، والمنع من التعبير عن الحزن حول الماضي عبر فِعال حسية تؤكد هذه النفسية المُعْتمة ، مع العودة للتاريخ والترميم من خلاله ما هو قابل للفساد في ظل نقص البشر وحدود قدراتهم ، ويظهر ذلك جلي في التعبير بـ(النظر) والتي مقصود بها الجانب الفكري لا الحسي عند كل آية تحث على السير في الأرض ، أما ما عداهما من العودة السلبية للتاريخ فهي معاكسة للتوجه الإسلامي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة الرأي الأزوادي2014