السبت، 23 أغسطس 2014

الحركات التنصيرية في جنوب الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا


الحركات التنصيرية  في جنوب الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا

الرأي الأزوادي - جريدة الاتحاد
إن التنصير حركة خطيرة وجريئة استهدفت الإسلام والمسلمين من لدن عهد نزول الوحي إلى يومنا هذا، ولم تزل عبر فتراتها التاريخية المتعاقبة وتطوراتها الشكلية والفكرية المتعددة، تهدد ديارَ الإسلام بهدمها، وعقيدَتَهُ بمسحها، وشريعته بنسفها وحذفها، بدافع العداوة لهذا الدين وأهله، والاستهانةِ بكتابه ورسوله بغضاً وعناداً وتعنتاً وحسداً، وتكبراً وتجبراً، ولقد شهدت المسلسلات الكيديةُ الماكرة التي عرضها روادُ التنصير لتحقيق أهدافهم العدوانية واتخذوا بلاد المسلمين مسرحا لها، شهدت حضورا مشهورا ومكثفا من حُلفاءهم اليهود، أعداء الرسالات السماوية وقتلة الأنبياء والمرسلين، متواطئين معهم بجميع أنواعه واختلاف أساليبه وتعدد أشكاله وضروبه، للنيل من المسلمين ودينهم وسحب عقيدتهم، تحت غطاء محاولة إدراجهم في دينهم المتأرجح بين النسخ في تعاليمه الصحيحة، والتحريف فيما تناولته أقلامُهم وأصابعهم فبدلته وغيرته وزورته وعدّلته ليتماشى مع أهوائهم الطّاغيةِ ويتناسب مع غرائزهم الجامحة، وفي هذه اللمحة المبسطة أحاول إلقاءَ الضوء على جوانب مختلفةٍ من أنشطتها بغرب إفريقيا وجنوب الصحراء، ووسائلها وأهدافها وسبل مواجهتها، متعمداً كتابة لفظ ((التنصير)) بدل التبشير، ((والنصرانية)) بدل المسيحية، ومتحاشياً إحراج القارئ والمطلع بالإطالة، مما أدّى إلى اختصار يتماشى مع ذلك.
مفهوم التنصير:-
التنصير بمفهومه اللفظي اللغوي هو الدعوة إلى اعتناق النصرانية وإدخال غير النصراني في النصرانية، والتنصير بمفهومه العام ظاهرة بدأت مع ظهور رسالة عيسى عليه السلام، وتطور هذا المفهوم حسب ما حصل للنصرانية الأولى من تحريف على يد "شَاؤول" و "بولس" في القرن الأول الميلادي، وأُدخلت عليها ثقافات يونانية "إغريقية" و "هندية" و "فارسية" مما أعطى للديانة النصرانية المحرّفة بُعداً وثنياً خرج بها عن أصولها التي جاءت بها عيسى عليه السلام، حتى قيل إن أركان المسيحية الجديدة – عقيدة وشرائع- تأثرت أو تحدّرت من الديانة الوثنية التي كانت قبل ظهور المسيح عليه السلام أو في أيامه.

وأصبحت النصرانية بهذا عبارة عن خليط من الوحي الإلهي وأفكار البشر، وهي ظاهرة متجددة ومتطورة في آن واحد، وتطورها يأتي في تعديل الأهداف وتوسيع الوسائل واتخاذ الأساليب المختلفة حسب البيئات والانتماءات التي يواجه إليها التنصير، حتى أصبحت هذه الظاهرة عند البعض عِلْماً له مؤسساتُهُ التعليميةُ ومناهجُهُ ودراساتُهُ ونظرياتُهُ.
وفي منتصف القرن الخامس عشر الميلادي تقريباً، بدأت طلائع البرتغاليين في التجول على السواحل الإفريقية وبدأت عملياتُ قنص الأفارقة ثم نقلهم إلى أوروبا ليباعوا في أسواقها بعد تنصيرهم ولم يحررهم الدخول في النصرانية من الرق، بل أدخل الأوروبيون في روعهم أن النصرانية تحررُ الرّوحَ، أما الجسد فيبقى في الرق تكفيراً عن الذنوب والخطايا التي ارتكبها الرجل الأسود.
وهذه هي الحلقة الأولى من المسلسل التنصيري والاستعمار الذي أعده الغرب ليتخذ أفريقيا مسرحاً له، فقد ورد في خطاب الباب "شَنُّوده" 1973م: تَجِبُ مضاعفة الجهود التبشيرية في القارة الإفريقية لزحزحة أكبر قدر ممكن من المسلمين الأفارقة عن دينهم، على ألاّ يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية، فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم وتشكيك الجموع الغفيرة منهم في القرآن وصدق محمد (أقول صلى الله عليه وسلم).
وكانت دولة نيجيريا بالغرب الإفريقي من أوائل دول المنطقة التي اجتاحها التنصير، ولا سيما في الجنوب، ويذكر البعض أن أول إرسالية تنصيرية وصلت إليها كانت في سنة 1010م.
وترجع أوائل التنصير في بوركينا فاسو إلى بداية القرن العشرين، وكان تركيز المنصرين منصباً على المناطق الوسطى قبل أن يتوغل إلى الجنوب الغربي والشرقي لكونها مناطق وثنية، أما باقي البلاد فكان فيه الإسلام قوياً، وكانت أول كنيسة في العاصمة سنة 1921م، ومع ذلك ظل عدد المسلمين قليلاً، إلاّ أنه لوحظ بعد ذلك تزايد في عددهم حيث بلغوا سنة 1970م نسبة11% من السكان.
واهتم المنصرون البرتغاليون بالساحل الإفريقي الغربي منذ القرن السابع عشر، وأرسلوا إلى منطقة الساحل الصغير في جنوب غرب السنغال رجالاً زرعوا فيها بذور النصرانية، ثم خلفهم زملاؤهم المنصرون الفرنسيون طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، وأقام الإستعمار الفرنسي علاقة تعاون مع مؤسسات التنصير، وبمقتضى هذا التحالف مكن الاستعمار الكنيسة في السنغال وأعطاها امتيازات كبيرة، وقد تبنت في عملها التنصيري إستراتيجية محكمة، لكنها لم تحقق إلاّ نجاحاً محدوداً، إذ لا تتجاوز نسبة النصارى 4% من السكان.
وإذا كان التنصير يرتبط بالاستعمار في غرب إفريقيا بشكل عام فإن النيجر لم تعرف المبشرين المنصرين قبل الاستعمار، والكنيسة الكاثوليكية هي أكبر الكنائس النصرانية في النيجر، وللكنيسة البرتَستَانية فيها نشاط يُعتبر من أهم مظاهره مستشفى "غَلْمي" الكبير.
وقد مر التنصير على مراحل تاريخية في العالم الإسلامي سنشير إليها باختصار، وقبل ذلك سنذكر المراحل التي مر بها في غرب إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى بشكل خاص:-
أ‌-    مرحلة الاستكشاف والمغامرات والتآليف.
ب‌-                مرحلة الاستعمار العسكري.
ت‌-                مرحلة التعبئة والاستعمار الثقافي والحضاري.
ومراحله في العالم الإسلامي بشكل عام هي:-
*- مرحلته في عصر النبي صلى الله عليه وسلم: قد بين الله سبحانه في محكم كتابه أن اليهود والنصارى في محاولة دائبة لإضلال المسلمين عن إسلامهم وردهم إلى الكفر ودعوتهم إلى اليهودية والنصرانية، فقال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم عن دينكم كفاراً....)البقرة (109). وقال تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلاّ من كان هودا أو نصارى}البقرة (111-112). وقال تعالى: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا}البقرة(135).
*- مرحلة الدعوة إليها بعد القرون المفضلة، حيث صنعوا شعاراً موّهوا به على الجهال وهو أن الملل اليهودية والنصرانية والإسلام هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين كل طريق منها يوصل إلى الله تعالى.
*- مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر، حيث تبنتها الماسونية، وهي منظمة يهودية للسيطرة على العالم ونشر الإلحاد والإباحية، تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله.
*- مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر، في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري وحتى الآن، وفي ظل النظام العالمي الجديد، جهرت اليهود والنصارى بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم وبين المسلمين، باسم "الدعوة إلى التقريب بين الأديان".
من خلال المطالعة لمراحل التنصير المتعاقبة في الكتب والبحوث العلمية لدى المسلمين الغَيُورين على الإسلام، والمدافعين عنه بالحكمة، والحجة الواضحة، ومن خلال استعراض وسائله المدونة في تلك الكتب يتضح للقارئ أن الحملات التنصيرية تستهدف مجموعة أهداف هدامة تحاول بشتى الأساليب تحقيقها على الأراضي الإفريقية وغيرها من بلاد المسلمين.
ومن أهداف التنصير في جنوب الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا ما يلي:-
*- العمل على وقوف حركة المد الإسلامي في القارة الإفريقية، وإخراج الأفارقة المسلمين من الإسلام أو بعضهم على الأقل، ولا يعني ذلك أن يعلن الإفريقي المسلم كفره بالإسلام، وإنما ليكون مسلماً ممسوخاً، وذلك لأن الإسلام يعرقل تحركهم ويحد من نشاطاتهم الماكرة، ويقول الْمِسْتر"أدوني بلس" مؤلف كتاب (مشروع التبشير): "إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا".
*- الحيلولة دون دخول الشعوب الإفريقية الأخرى – غير النصرانية – في الإسلام بإحلال النصرانية مكانه أو بالبقاء على العقائد المحلية الموروثة.
*- الحيلولة دون دخول النصارى في الإسلام، وهذا الهدف موجه الجهود إلى المجتمعات الإفريقية التي يغلب عليها النصارى، ويعبر عنه البعض بحماية النصارى من الإسلام.
*- الإيحاء إلى الأفارقة بأن المبادئ والمثل النصرانية أفضل من أي مبادئ أخرى، وأن تقدم الغرب إنما جاء بفضل التمسك بالنصرانية، بينما يُعزى تأخر المجتمعات الإفريقية المسلمة إلى التمسك بالإسلام، لإيجاد فجوة واسعة بينهم وبين الإسلام، وإغراقهم في بحر من الأوهام والخيال حتى تمم السيطرة على عقولهم وأفكارهم بشكل يضمن انجرافهم مع التيار الشركي التنصيري دائماً.
*- تعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي على بقية الأجناس البشرية الأخرى، وترسيخ مفهوم الفوقية والدونية والتبعية للغرب، ومن ثم يتم إخضاع البلدان الإفريقية، ويستمر التحكم في مقدراتها وإمكانياتها، وبالتالي يسهل نهب ثرواتها وسرقة خيراتها.
*- التغريب، وذلك بالسعي إلى نقل المجتمعات الإفريقية المسلمة في سلوكياتها وممارستها بجميع أنواعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية والعقائدية من أصالتها الإسلامية إلى شتى الأنماط الغربية في الحياة.
وفي هذا يقول "سيرح لاتوش" في كتابه "تغريب العالم": ((إن عملية تغريب العالم كانت لمدة طويلة جداً عملية تنصير...)) وهكذا نجد اليوم أغلب مشروعات التنمية الأساسية في العالم الثالث عموماً، والبلدان الإفريقية خصوصاً تعمل بطريق مباشر أو غير مباشر تحت شارة الصليب.
*- محاربة انتشار اللغة العربية التي هي وعاء الإسلام وأحد مقومات الوحدة بين المسلمين؛ يقول "صموئيل" زعيم المنصرين في أوائل القرن العشرين: (( يوم لا يبقى اللسان العربي هو لغة التجارة في إفريقيا، لا يبقى خطر من الإسلام لأن مداريته حينئذ ستصير فارغة)).
*- كف المسلمين عن ذروة سِنامِ الإسلام: الجهاد في سبيل الله، ومنه جهاد الكتابيين، ومقاتلتهم على الإسلام وفرض الجزية عليهم إن لم يُسلموا.
*- محاولة التشويش على الإسلام وإيجاد بلبلة في المسلين لغرض تشكيكهم ثم نزع الإيمان من قلوبهم، وبالتالي القضاء على الإسلام واندرا سه.
*- كف أقلام المسلمين وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ممن كفرهم الله وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ويتركوا ما سواه من الأديان، ولا وفاق ولا لقاء بيننا وبينهم إلاّ وفق الأصول التي نصت عليها الآية الكريمة:{ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءَ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشْهَدُوا بأنّا مسلمون} آل عمران/64، وهي توحيد الله تعالى ونبذ الإشراك به وطاعته في الحكم والتشريع واتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشرت به التوراة والإنجيل.
ولا سبيل إلى الكف عن تكفيرهم من قبل المسلمين إلاّ الدخول في الإسلام، لأن العبد إما أن يكون مؤمناً بالله ربا،ً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً، فيسمى مسلماً، وإمّا أن يشرك بالله شيئاً من خلقه ويكذب كتابه ورُسلَهُ فيُدعى كافراً، ولا يجوز وصفه بأنه مسلم ولا بأنه على ملة إبراهيم عليه السلام سواء كان يهودياً أو نصرانياً، لأن ما كان في أيديهم من شرع صحيح فهو منسوخ بشريعة الإسلام، فلا يقبل الله من عبده أن يتعبده بشرع منسوخ، وما كان منسوباً إلى التوراة والإنجيل من شرع محرف مبدل فتحرُمُ نسبتُه إليهما فضلاً عن أن يجوز لأحد اتباعه أو أن يكون دين أحد من الأنبياء لا موسى ولا عيسى ولا غيرهما، ولأن كل عبد مأمور بأن يتبع الدين الناسخ لما قبله، وهو بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم دين الإسلام الذي جاء به بعبادة الله وحدهُ لا شريك له، وتوحيده بالعبادة، فمن كان كذلك كان عبداً حنيفاً مسلماً على ملة إبراهيم عليه السلام، ومن لم يؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين ويخص نبيّه ورسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم بالاتباع دون سواه فلا يجوز وصفه بأنه حنيف ولا مسلم ولا على ملة إبراهيم عليه السلام بل هو كافر في مشاقّةٍ وشقاق، فمن آمن بجميع الأنبياء وعمل بشريعة الدين الإسلامي الذي نسخ الله به ما قبله فهو المسلم، ومن أبى فهو المشرك، والمشرك هو الكافر، والكافر لا يجوز وصفه بالإسلام ولا الكف عن تكفيره، بل يجب تكفيره والتحذير منه وأخذ الحذر منه، {أفغير دين الله تبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون}، {إن الدين عند الله الإسلامُ}، {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه}. هذا وفي العدد القادم نعرض لكم ما يتعلق بوسائل التنصير بإذن الله تعالى.
وسائل التنصير:-
لم يدع وسيلة مهما كانت إلاّ واستغلها لتحقيق أغراضه، وتتخذ هذه الوسائل شكلاً علنياً صريحاً في بعض صوره وأنواعه، إلاّ أنّها تكون سرية مختفية أحياناً، حسب المكان والمجتمع المستهدفين منم قبل المنصرين، وسنعرض بعضاً من تلك الوسائل بشكليها العلني والسري – إن شاء الله تعالى – في النقاط الآتية:- - التنصير العلمي القائم على النقاش أو على السفسطة والتشكيك. - التنصير القسري، ويتمثل في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش واختطاف الأطفال والقرصنة البحرية وإحراق المسلمين الأفارقة الرافضين للتنصير. - الدعم المادي، وهو من أكبر وسائل التنصير، وقد ورد في إحصائية نشرت سنة 1995م، أن ميزانية التنصير في العالم سنوياً حوالي مائة وأربعة وستين مليار دولار أمريكي (164,000,000,000)، وقفز ذلك الرقم سنة 1992م إلى مائة وواحد وثمانين مليار دولار أمريكي (181,000,000,000)، والفارق الزمني بين الرقمين هو سنتان، والفرق الرقمي بينهما سبعة عشر مليار دولار أمريكي (17,000,000,000)، وهذه الزيادة في غضون سنتين فقط، وتُوجّهُ نسبة 37% من هذه الميزانية المالية الضخمة إلى تنصير القارة الإفريقية."15" - الجمعيات التنصيرية، الخاصة بالقارة الإفريقية ، ونذكر منها:- أ‌جمعية لندن التنصيرية، تأسست سنة 1765م ب‌-جمعية طبع الإنجيل البريطانية، تأسست سنة 1804مت‌-جمعية تنصير الشباب الإفريقي، أنشئت سنة 1967م. هذه نماذج فقط من الجمعيات التنصيرية المتعددة والمتنوعة الاتجاهات والتخصصات في القارة الإفريقية، على سبيل المثال لا الحصروسائل التنصير السرية:- 1- البعثات الدبلوماسية عن طريق السفارات أو القنصليات والملحقات الثقافية والتجارية، لأن العاملين في تلك المؤسسات يدبون على التنصير قبل الانخراط في السلك الدبلوماسي (16). 2- المكتشفون الجغرافيون في البلدان الإفريقية، حيث يمارسون عملية التنصير . 3- بعثات التطبيب ذات الطابع الطبي والصحي وتعمل على خدمة النصرانية، والتنصير من خلال إنشاء المستشفيات والمستوصفات، فيستغل الطبيب المنصر حال الفقير المريض فيوهمه أن المسيح هو الذي يشفيه، وتنصح المنصّرة "إبراهاريسطبيباً منصّراً بانتهاز فرصة التطبيب باعتبارها أثمن فرصة للتنصير على الإطلاق . 4- بعثات التعليم والبحث العلمي والتدريب المهني، من خلال إنشاء المدارس ومراكز التدريب والورش التي تخضع لبرامج نظرية تدمج فيها دروس ثقافية نصرانية . 5- بعثات الإغاثة حيث يحمل المنصرون المؤن والملابس إلى الفقراء يقدمونها على أنها نعمة من عيسى عليه السلام، فتسهل عملية اصطياد من لم يعصمه الله تعالى. ونعرف نماذج من ذلك حصلت في مالي والنيجر، ولا تزال تتزايد إلى الآن. 6- وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة وتلفزيون وسينما، فكلها تُسهم في عملية التنصير، إضافة إلى الوسائل الإعلامية الصريحة، ففي غرب أفريقيا تُشتهر الإذاعة المسيحية التي تبث من "مْروفيا" عاصمة ليبيريا، وفي وسطها في كاميرون تبث أخرى بعدة لهجات إفريقية، وتلفظ في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا. ونشاهد عياناً وجود مُذيعين باللهجات المحلية وكثيراً ما تلتقط أسماعُنا حروفاً من حديثهم المشؤوم عبر الإذاعة فنمتنع عن الإصغاء لهم، تجهيلاً لهم وتنفيراً من كلامهم، لا خوفاً من الانجراف مع تيارهم المنحرف ما دمنا متحصنين بحصن من الدين الحنيف ومتنهلين من معين عقيدة أهل الإسلام الصافي الضافي الذي لا يكدّر بقطرات من أفواه أتباع دين دائر بين النسخ والتحريفسبل مواجهة التنصير:- لم يقف المسلمون في القارة الإفريقية أسوة بإخوتهم في بقية العالم الإسلامي، مكتوفي الأيدي أمام الحملات التنصيرية، بل كانت هناك مواجهة مستمر رغم تساهل بعض المسلمين، على أن المواجهة لا تتوقف عند حماية المسلمين من غائلة التنصير؛ بل ينبغي أن تتعدّ ذلك إلى الدرء والتصدي، على ألاّ تخرج المواجهة عن الإطار المسموح به شرعاً، لأن اتخاذ المنصرين وسائل غير نزيهة في الهجوم لا يبرر اتخاذ المسلمين وسائل غير نزيهة في الدّفاع، فالله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً، ومن وسائل المواجهة الدعوة إلى الله بحيث نسعى إلى هداية هؤلاء المنصّرين أو بعضٍ منهم في الوقت الذي نخص فيه مجتمعنا من التنصير، ولا يعني الصراع بيننا وبينهم وجود تنافس على الإطلاق، لعدم النّدّية بين الحق والباطل ولا بين ما ندعو إليه وما يدعون إليه، وإنّما هناك في الحالتين ضدّيّة لا نّديّةومن وسائل المواجهة للحملات التنصيرية في المجتمعات الإفريقية المسلمة ما يأتي:- *- الدعوة إلى الله على بصيرة، حتى نقدم البديل للمسلمين وغيرهم الذي نعتقد أنّه الحق، وهو الإسلام، وبأساليب متعددة ومتنوعة، منها الدعوة المباشرة، والإغاثة والمناهج الدراسية، وكل ما يحقق الهدف ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية السمحة. *- مشاركة الحكومات في محاربة التنصير بعدم تقديم تسهيلات للمنصرين والوافدين على بلاد الإسلام من غير المسلمين، إلاّ بعد التأكد من عدم ممارستهم أنشطة ضارة تتعارض مع شريعة وثقافة البلاد، وبمراقبة البعثات الدبلوماسية حتى لا تخرج عن وظائفها لتضليل المجتمع. *- تكثيف الجهود من قبل المنظمات وهيئات الإغاثة الإسلامية وتعددها نوعيّاً إن تعذر كميّاً. *- اهتمام العلماء وأساتذة الجامعات وطلبة العلم بهذه الظاهرة للتأثير في المجتمعات الإفريقية بأنشطتهم الثقافية والعلمية كالمحاضرات والمؤلفات والرسائل القصيرة. *- التصدّي من قبل التجّار والموسيرن المسلمين سواءٌ في أماكن عملهم أو في البلاد التي يتعاملون بها، فكما انتشر الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى عن طريق رجال الأعمال والتجار، يمكن أن تستمر تلك الوسيلة في المواجهة مع اختلاف الأساليب. *- إسهام الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلميّ والمدارس والجامعات والهيئات الإسلامية في وضع برامج وخطط لمواجهة التنصير وخاصة في غرب إفريقياالخاتمة والتوصيات:- التنصير حركة قديمة في جذورها، وخطيرة في أهدافها، دينية في ظاهرها، دنيوية في باطنها، تعادي الإسلام والمسلمين، وتكيد لهم بكل ما تملك من القوى الخفية والعلنية، والحيل الفكرية والعملية، لزعزعة ثقتهم بالرسول محمد صلى الله علية وسلم وبالقرآن الكريم، ونزع عقيدتهم لاستتباعهم والسيطرة عليهم وعلى أفكارهم، مستخدمة في ذلك وسائل سرية وقسرية، وتتخذ الطابع الإنسانيّ أحياناً، وتستر – كثيراً- بغطاء دينٍ دائرٍ بين النسخ والتبديل وتُلوّح بشعارات برّاقة مزخرفة، وتستهدف القضاء على الإسلام أو محاصرته والحدّ من انتشاره على وجه أقـلّ ويؤازرها اليهود عبر تعاقب وتطوّر فتراتها وأساليبها، بجامع المعاداة والحسد للرسول صلى الله عليه وسلم المختار والأخير، وكتابه الحكيم المحروس من التبديل والتحريف، والناسخ لما قبله، ولأمته الآمنة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، وقد استغلت الحملات التنصيرية ظواهر كالفقر والمرض والقحط وأضاعاً كالتخلف والجهالة والانعزال في غرب إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، لتحقيق أغراضها تحت ما يسمى بالخدمات الإنسانية، إلاّ أنها لم تحقق نجاحاً يتماشى مع وسائلها المتعددة ويتناسب مع اجتهادها ودأبها واستمرارها، وذلك بفضل الله ثم بمواجهة بعض أبناء المنطقة لهذه الظاهرة المحدقة الخطيرة، بأقلامهم وألسنتهم وأسنتهم حسب طبيعة عمل كلٍّ ومجال نشاطه ومكان إقامته، وقدر طاقته، وحدود خبرته وفترة حياته.ولعلّ من أهم الوسائل التي تساعد على هذه المواجهة بشكل فعال هـي:- - 1- التوعية بخطر التنصير وتوضيح وسائله وأهدافه، للمجتمعات في غرب إفريقيا. 2- - تأسيس هيئة إسلامية في غرب إفريقيا لمواجهة التنصير والرصد لأنشطته. 3- - إنشاء مجلة متخصصة في الدراسات العلمية التنصيرية بالمنطقة تنشرها إحدى المؤسسات الإسلامية. 4- - التكثيف من اعمال الإغاثة في المنطقة وتقديم البديل الصالح في مجال الطب والتعليم والإغاثة. 5- - الدعم المادي والمعنوي من قبل الحكومات في دول غرب إفريقيا، وتقديم تسهيلات بهذا الصدد. 6- - الاهتمام من قبل المؤسسات الإسلامية العالمية والإقليمية بالمنطقة وبخصوص مواجهة التنصير. 7- - العلم بعقيدة المنصرين وأصول عقائدهم. 8- - عقد مؤتمرات وندوات وطنية ودولية دورية لمناقشة القضية والبحث عن السبل المناسبة لمواجهتها.
                                          إعداد وتقديم/ أ. أحمـــد خميس نوح

الجمعة، 22 أغسطس 2014

الشعب النيجري واهتمامه بالثقافة الإسلامية

الرأي الأزوادي -جريدة الاتحاد


الشعب النيجري واهتمامه بالثقافة الإسلامية
* الموقع الجغرافي المهم لجمهورية النيجر ونتائجه:

إن جمهورية النيجر لها موقع جغرافي مهم جدا فلها حدود مع الكثير من بلدان إفريقيا الغربية وهي: نيجيريا، ومالي، وبركينا فاسو، وبنين، ولها حدود مع إفريقيا الوسطى وعلى التحديدجمهورية التشاد، كما أن لها حدود مع بلدين من بلدان إفريقيا الشمالية وهما الجزائر وليبيا، وهذا الموقع الجغرافي له نتائج كبيرة ومهمة من بينها أن شعب النيجر كانت له روابط تاريخية قديمة جدا مع شعوب تلك البلدان التي لها حدود مع هذه المنطقة التي تكون جمهورية النيجر الحالية وهذه الروابط تشمل الميادين البشرية والدينية والثقافية والتجارية والسياسية وغيرها.

وزيادة على تلك المناطق المجاورة فإن منطقة النيجر كانت لها روابط قديمة مع مناطق أخرى مثل: مصر والسودان ومنطقة الحجاز التي توجد بها مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها من مناطق العالم.

*- عناية الشعب النيجري بالثقافة الإسلامية:

لقد انتشر الإسلام في هذه المنطقة النيجرية شيئا فشيئا ابتداء من القرن الأول الهجري، وكما تقول الإحصائيات الرسمية النيجرية فإن الإسلام اليم يمثل 99% من سكان جمهورية النيجر.

ونظرا إلى قوة مركز الإسلام بهذه المنطقة فإن سكانها قد اعتنوا بالثقافة الإسلامية منذ القديم وكان أبناها يذهبون إلى مختلف البلدان الإسلامية لطلب العلم والثقافة الإسلامية بجميع فروعها، كما نجده في مناطق غرب إفريقيا وبلاد المغرب فإن سكان النيجر هم من أهل السنة ومذهبهم الفقهي هو المذهب المالكي.

وقد حاول الإستعمار الفرنسي القضاء على هذه الثاقفة الإسلامية بهذه المنطقة النيجرية ولكن السكان قاوموا هذه الجهود الإستعمارية وواصلوا العناية بالإسلام وثقافته بكل إصرار وتصميم ومنذ الأيام الأولى للإستقلال بدأ السكان يطالبون الدولة النيجرية الجديدة ببناء مدارس للتعليم العربي الإسلامي في مدنهم وقراهم فاضطرت الدولة النيجرية إلى الإستجابة لمطالبهم الملحة وبذلك نشأ في الجمهورية نظام التعليم العربي الإسلامي الرسمي الذي نجد مدارسه في كل جهات جمهورية النيجر.

كما أنه منذ الإستقلال بدأ النيجريون يطلبون من الدولة النيجرية بعث شبابهم للدراسة بالبلدان الإسلامية العربة فقامت الدولة بذلك منذ السنة الأولى للإستقلال وحتى اليم وبذلك درست مجموعات كبيرة من النيجريين بمصر وتونس والجزائر ونيجيريا والعراق والأردن والسعودية والسودان وموريتانيا والمغرب وغيرها في البلدان الإسلامية، ونظرا إلى عناية الدولة النيجرية بهذا التعليم العربي الإسلامي، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي لما قررت إنشاء جامعة إسلامية لطلاب منطقة غرب إفريقيا اختارت جمهورية النيجر فأنشأت بها هذه الجامعة الإسلامية الموجودة بجنب مدينة ساي التي تبعد عن نيامي بحوالي 55كلم(جنوب العاصمة)

*- دور الثقافة الإسلامية في الوحدة النيجرية:

لقد تحدثنا فيما سبق عن عناية الشعب النيجري بالإسلام وثقافته منذ العصور الأولى للإسلام وثقافته.

هذا وإن المجموعات البشرية المكونة للشعب النيجري هي عديدة وأهمها الهوسا والطوارق والزرما والسنغاي والفلانيين والكانوري والعرب والتوبو وغيرهم وعلى الرغم من اتساع خريطة النيجر التي تصل إلى 1،267،000كم2 وتباعد السكان فإن الإسلام وثقافته يجمعان هذه الجموعات العرقية المتباعدة وبسبب الإسلام وثقافته يعتبر النيجريون أنفسهم إخوة وذلك أن الإسلام وثقافته يعتبران أساس الهوية الثقافية التاريخية للشعب النيجري، فالإسلام إذا هو العامل الأساسي للوحدة النيجرية.

*- التراث الثقافي الإسلامي بجمهورية النيجر:

إن الإسلام هو أساس التقاليد الإجتماعية النيجرية ويعتز النيجريون بتاريخهم الإسلامي وبتاريخ الممالك الإسلامية العديدة التي تكونت بهذه المنطقة النيجرية مثل ممالك السنغاي والهسا والطوارق والفلانيين والكانوري، ومن مايجب التنبيه إليه أن المئات من العائلات النيجرية تملك مخطوطات إسلامية عربية قديمة في مختلف فروع الثقافة العربية الإسلامية وهي تحرص على المحافظة عليها.

وقد كان المرحوم بوبو هما رئيس البرلمان النيجري في عهد الرئيس ديوري هماني قد جمع كمية كبيرة من هذه المخطوطات العربية الإسلامية وهي توجد الآن بمركز المخطوطات العربية التابع لجامعة نيامي، كما أن العلامة محمد ابراهيم محمد المؤمن الطارقي قد أسس في مدينة أبلغ (شمال محافظة طاوا) مكتبة جمع فيها الكثير من هذه المخطوطات العربية الإسلامية القديمة.

*- الدور الذي يجب أن تقوم به الدولة النيجرية في مجال الثقافة الإسلامية:

إنه نظرا لما شرحناه من أهمية الثقافة الإسلامية قي تاريخ الشعب النيجري قديما وحديثا فإنه من واجب الدولة النيجرية ـ على الرغم من أنها علمانية ـ أن تهتم بتاريخ الإسلام وثقافته في هذا البلد المسلم، ومن أمثلة هذا الإهتمام أن تقوم الدولة النيجرية بإعطاء التربية الإسلامية واللغة العربية وتاريخ الممالك الإسلامية بالنيجر مكانا محترما وكافيا في مناهج التعليم الإبتدائي والثانوي والعالي، وذلك للمحافظة على هويتنا الثقافية التاريخية الإسلامية وتربية أبنائنا تربية إسلامية صحيحة وهو شيء سيساهم كثيرا في تقوية الوحدة الوطنية النيجرية.

*- الدور الذي يجب أن يقوم به العلماء ووسائل الإعلام النيجرية:

إن علماء الإسلام ببلدنا النيجر يجب عليهم أن يساهموا في نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة والتعريف بمبادئ الإسلام الأصيل ونشر تاريخ الإسلام وثقافته ببلدنا النيجر، ونظرا للأهمية الكبرى لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، فإن الصحافة والإذاعات والتلفزيونات العمومية والخصوصية ببلدنا النيجر يجب أن تقوم بدورها في مجال المحافظة على هويتنا وشخصيتنا الثقافية والتاريخية الإسلامية، وفي النهاية فإننا نلح على ضرورة عناية النيجريين دولة وشعبا بهويتنا الثقافية الإسلامية لأن ذلك سيقوي من عناية الشعب النيجري واعتزازه بماضيه المجيد وهو ما يدعوه إلى العمل ببناء حاضره بكل عزيمة وتصميم والإهتمام بتخطيط بناء مستقبله وكما يقول بعض علماء التاريخ : "إن الشعب الذي لا يعتني بهويته الثقافية وتاريخه هو في الواقع شعب ميت" ولذلك يجب أن لا يكون شعبنا النيجري شعبا ميتا متأخرا بل يجب أن يكون شعبا حيا ومتحركا ومعتزا بإسلامه وثقافته الإسلامية العربية التاريخية، هذا الإسلام الذي لا يمنعنا من الحوار والتفاهم والتعاون مع الأديان والثقافات والحضارات الأخرى، على أساس الإحترام المتبادل بين الجميع، وبشرط محافظتنا على هويتنا وثقافتناالإسلامية كما قال الله تعالى: <لكم دينكم ولي دين > صدق الله العظيم.

بقلم الأستاذ/ محمد أحمد شفيع

محاضر سابق بالجامعة الإسلامية بالنيجر
                                                                                           النائب الأول لرئيس المجلس الإسلامي بالنيجر

الأحد، 17 أغسطس 2014

موريتانيا: أكاديميون يناقشون المسألة الأزوادية "الطوارق.. من الهوية إلى القضية"

الرأي الأزوادي -الاخبار

الأخبار (نواكشوط) – نظم المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإسلامية مساء اليوم بالعاصمة الموريتانية نواكشوط ندوة فكرية عن كتاب "الطوارق.. من الهوية إلى القضية" والذي يعالج المسألة الأزوادية.

وقد استضافت الندوة مجموعة باحثين، وأكاديميين، للتعليق على الكتاب الذي قدم له مؤلفه اكناته ولد النقرة.

وقد كان أول المحاور عن "القضية الأزوادية.. الجذور والتداعيات" مع الباحث الأزوادي يحيى عثمان والذي اعتبر في بداية مداخلته أن أزواد مستقل وتابع في نفس الوقت، فهو مستقل لما عاناه من الاضطهاد والتهميش والظلم، وتابع لأنه امتداد للمجتمعات المجاورة.

واعتبر في مداخلته أن أزواد عبر التاريخ بلاد مستقلة، تتبع للأمارة الإسلامية، وأن أهلها سادوا، وقادوا أرضهم، حتى جاءهم الغزاة الفرنسيون، وأنهم قاوموهم، عكس ما حدث في مالي المجاورة للإقليم.

وأرجع يحيى عثمان تبعية الإقليم لجمهورية مالي لكون فرنسا لاقت مقاومة قوية، جعلت الفرنسيين ينتقمون من الأزواديين بجعلهم تبعا للماليين، معتبرا أن الأزواديين سادة أنفسهم.

وأردف في مداخلته أن الفرنسيين خلفوا مافيا ماركسية، صبت عليه ما بيدها من فساد وتنكيل وتعذيب،.جعلت الأزواديين يقومون بثورة 1962، وكانت تلك الثورة عفوية وذلك ما جعل أطرافا غادرة تقضي عليها حسب يحيى 1963.

وختم يحيى حديثه عن علاقة المجتمع الأزوادي بالحركات الإسلامية، معتبرا أن حكومة مالي مارست تجهيلا على سكان الإقليم، وأن ذلك جعل حاجتهم للصحوة يتضاعف، وجعلهم يقبلون بالحركات الإسلامية المسلحة التي سرعان ما انفجر القتال بينها والأزواديين.

وقال إن دولة أزواد التي أعلنتها الحركات المسلحة كانت تعتبر أن الشريعة الإسلامية هوية لها، لكن سرعان ما قاتلها تنظيم القاعدة، والذي أعلن قائد منه أنهم حموا مالي من التقسيم حسب القيادي الأزوادي.

المحور الثاني من الندوة كان مع الدبلوماسي الموريتاني محمد محمود ولد ودادي وناقش العلاقات الموريتانية الأزوادية.

اكناته ولد النقرة مؤلف كتاب "الطوار.. من الهوية إلى القضية" (الأخبار)اكناته ولد النقرة مؤلف كتاب "الطوار.. من الهوية إلى القضية" (الأخبار)واعتبر ولد ودادي في مستهل حديثه أن أزواد جزء من مالي، لكن الموريتانيون ظلوا مرتبطين مع مجتمعاتهم في أزواد، والعلاقات ظلت نشطة، معتبرا أن تقسيم المجتمع الأزوادي يشبه تقسيم المجتمعات المجاورة ففيهم حملة سلاح، وحملة قلم، وصنّاع أهل طرب،.وعبيد سابقون.

واعتبر الدبلوماسي الموريتاني أن الأزواديين ينحدرون من خمسة أصول اثنان منها قدما من موريتانيا، مع اختلاف تواريخ الهجرة، ومن اشراف أشراف آووا الثورات الأزوادية وخاصة ثورة الستينات.

وخلص ولد ودادي في مداخلته إلى أن موريتانيا ساهمت في حماية الأزواديين، خصوصا من ليبيا التي  كانت تستخدمهم استخداما ليس في صالحهم، ووفرت لهم موريتانيا أوراقا تمكنهم من العمل في ليبيا.

وقال ولد ودادي إن الأوراق الموريتانية كانت متاحة لكل العرقيات الأزوادية وقد قررتها الدولة الموريتانية رسميا، وبتنسيق مع مالي، والنيجر.

وختمت الندوة بمحور مع محمد الأمين ولد الكتاب عن حلول القضية الأزوادية، واستبعد أن تتمثل في استقلال أو حكم ذاتي للإقليم لما يمثله ذلك من مخاطر على المنطقة حسب ولد الكتاب.

وقال ولد الكتاب إن الحل يكمن ـ حسب وجهة نظره ـ في قيام دولة ديمقراطي بمالي تهدف إلى خلق مشهد وطني جديد يكفل الحريات الاجتماعية والسياسية والثقافية، لتعيد مالي النظر بجميع أمورها وإنشاء أقاليم إدارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، يمثل أزواد أحدها.
المصدر: وكالة الاخبار  المورتانية

التدخل العسكري الفرنسي الإفريقي في مالي والمخاوف الأمنية المتفاقمة

الرأي الازوادي- الجزيرة
سجل التدخل العسكري الفرنسي في مالي نجاحات أولية, لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الحرب في مالي ستنتهي قريبا أو تمتد لفترة طويلة جدا
اعتبر الكثير من المراقبين - قبل عام 2012- مالي ورئيسها أمادو توماني توري قصة نجاح لـ"الموجة الثالثة" من الديمقراطية, ذلك أن الجنرال توري الذي قاد انقلابا عسكريا عام 1991 وأشرف على تحول ديمقراطي في بلاده, سلم السلطة في عام 1992 للرئيس المنتخب ألفا عمر كوناري، ثم عاد بعد ذلك - وبعد انتهاء فترة كوناري الرئاسية - إلى السياسة ليفوز في الانتخابات كرئيس مدني في عام 2002 ويعاد انتخابه في العام 2007.
وبينما كان السياسيون الماليون يعدون العدة للمشاركة في انتخابات رئاسية جديدة كانت مقررة في إبريل 2012، بدا توري  مستعدا للتخلي عن السلطة طواعية مرة أخرى.
لكن ستقع أحداث أخرى تغير المسار في مالي، فقبل ثلاثة أشهر من انتخابات أبريل 2012، أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" MNLA - وهي حركة انفصالية  في إقليم أزواد بشمال مالي- تمردها ضد الحكومة المركزية.
ويضم إقليم أزواد مناطق كجدال، وغاو وتمبكتو، ومع الأسابيع الأولى لاشتعال التمرد قد تلاحقت هزائم جنود الحكومة المالية وبَدَوا غير مجهزين للتصدي لهجمات المتمردين، مما ولّد الاستياء والتململ في صفوفهم وجعلهم ينحون باللائمة في خسائرهم على النظام الحاكم، وتجلى ذلك الاستياء في احتجاجات للجنود والضباط، تلاها تمرد تطور في نهاية المطاف إلى  انقلاب عسكري ضد توري في 22 مارس 2012، وتمخض هذا الانقلاب عن فراغ في السلطة مكّن المتمردين الطوارق في الشمال، وبدعم من خليط من القوى الإسلامية، من السيطرة على ما يقارب ثلثي البلاد.
وقد ضمت هذه القوى الإسلامية المتباينة حركة أنصار الدين, وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي الإسلامي، وجماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا, وكانت كفة الواقع تميل لصالح الإسلاميين فلم يستتب الأمر لصالح تحالف الحركة الوطنية لتحرير أزواد بعد تحييدها للقوات المالية الضعيفة، إذ سرعان ما خسرت هذه الحركة بدورها المعركة أمام الإسلاميين المسلحين.
ورفضت الهيئة الإقليمية لغرب إفريقيا المعروفة بالمنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، كلا التطورين اللذين شهدتهما مالي في هذه الآونة أي الانقلاب العسكري واحتلال المتمردين لشمال مالي.
ولمعالجة هذا الوضع المعقد، تبنت "الإيكواس
كجزء من استراتيجيتها الشاملة لإعادة  الحكم المدني إلى مالي، فرض عقوبات محددة على الطغمة الحاكمة بباماكو ومجلسها العسكري، وكما دعمت فتح حوار مع المتمردين الطوارق ومسحلي الحركة الإسلامية, غير أن الحوار تعثر في وقت لاحق، ثم جاء مسار جدي، أسبابه العامة هي:
  • انهيار الحوار بين الحكومة المالية والمتمردين.
  • تقدم قوات المتمردين - وعلى وجه الخصوص- وانقضاضهم على مدينة كونا التي تقع على بعد 600 كيلومتر إلى الشمال الشرقي من باماكو.
وقد عجل هذه الوضع الجديد تدخل فرنسا عسكريا في 11 يناير 2013، وأثارت هذه الأحداث المتسارعة دهشة المراقبين, إذ كيف لنجاحات مالي -الظاهرية على الأقل- أن تتحول بهذه السرعة إلى فشل، وما التداعيات الأمنية التي يمكن أن تنجم عن التدخل العسكري في هذا البلد؟
التالي هو عبارة عن مشاركة  في محاولة توضيح هذه المخاوف الناشئة.
جذور التمرد وسقوط النظام
تضافرت عوامل متجمعة على تغذية وتحريك التمرد في شمال مالي وأضعفت النظام في باماكو, ويمكن إجمال تلك العوامل في ما يلي:
أولا:  شهدت مالي نمطا متكررا من الانتفاضات التي قادها الطوارق ضد الحكومات في باماكو، وفي مواجهة ردود غير فعالة من قبل الدولة المالية،  شعر الطوارق بأن باماكو أهملتهم وهمشتهم، وخصوصا في أوقات الجفاف، وقد دفعتهم تلك الأوضاع - وهم تاريخيا بدو رحل- إلى شن  ثورات  متعددة، في تسعينيات القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين (في عام 1962 و1990 و2006).
وقد أدى عدم حل هذه المظالم التي كانت سببا في تلك الثورات إلى إبقاء جذوة الصراع متعقدة، فعلى سبيل المثال، ترك رد الحكومة القاسي - على حركة التمرد عام 1962، والذي شمل إبادة قطعان الماشية وتسميم الآبار-  ذكريات مريرة بين طوائف الطوارق، أما اتفاقيات السلام ومبادرات اللامركزية التي توصل الطرفان إليها في تسعينيات القرن العشرين وخلال العقد الأول من القرن الحالي، فإنها لم تنفذ على نحو فعال، وظلت حبرا على ورق.
كما ظلت كيدال وغاو وتمبكتو، والمناطق الصحراوية المحيطة بها فقيرة وهشة, ولم تمض سنة على اتفاقيات السلام في أكتوبر 2009 التي أنهت تمرد عام 2006 حتى ضرب جفاف ماحق الشمال المالي, مما دفع وكالات الإغاثة إلى دق ناقوس خطر كارثة تلوح في الأفق, وجاء قرار توري بتخصيص 69 مليون دولار "للبرنامج الخاص للسلام والأمن والتنمية في شمال مالي" في أغسطس 2011 متأخرا جدا وكان المبلغ المرصود له ضئيلا للغاية, وبحلول اكتوبر 2011 تاريخ تأسيس MNLA، كان سخط الطوارق قد تفاقم من جديد.
ثانيا: برزت للعلن وشائج علاقة بين الناشطين في الجريمة المنظمة وبين الجهاديين في شمال مالي وبعض مناطق الساحل المجاورة لها خلال فترة توري في السلطة, ورغم أن تاريخ التهريب في منطقة الساحل يعود لقرون، فإن ثمة مشاريع إجرامية لم تكن معروفة، إضافة إلى بزوغ بعض اللاعبين الجدد، فقد زاد نشاط تهريب الأسلحة والسجائر والبشر عبر الصحراء باتجاه شمال أفريقيا، منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي فيما شهدت  تجارة الكوكايين والقنب نموا خلال العقد الأول من القرن الحالي(1) وبالتوازي مع تجارة المخدرات برزت إلى الوجود فصائل جهادية أنتجتها الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر المجاورة لمالي منذ العام 1992.
وفي العام 2003، بدأت الجماعة السلفية - التي تأسست في الجزائر وعرفت بالجماعة السلفية للدعوة والقتال قبل أن تغير اسمها في عام 2007  لتصبح "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" AQMI - خطا جديدا تمثل في خطف السياح الغربيين وعمال الإغاثة في منطقة الصحراء والساحل, وبالتوازي مع اهتمامها المتزايد بضرب أهدافٍ في منطقة الساحل، كما كثفت القاعدة في بلاد المغرب العربي جهودها لتجنيد شباب ومقاتلين موريتانيين، وماليين، ونيجريين، وغيرهم كما خطف هذا التنظيم والجماعات المنشقة مواطنين أوروبيين وأميركيين في الجزائر وموريتانيا والنيجر، ومالي، كما ساعدت - في الآونة الأخيرة - المجموعات الإسلامية المسلحة في نيجيريا في تنفيذ عمليات خطف في شمال هذا البلد.
وفضلا عن ذلك شارك هذا التنظيم وشركاؤه المحليون في تجارة المخدرات, ومثَل الخطف من أجل الفدية وتسهيلُ تهريب المخدرات مصدرَ دخل أدر على  AQMI ما يناهز 100 مليون دولار، وبالإضافة إلى مسار الخطف، هاجم التنظيم وحدات عسكرية وسفارات أجنبية في موريتانيا، ورغم صعوبة تتبع الاتجاهات الحديثة في التوجهات الدينية لمسلمي شمال مالي والمنطقة المحيطة بها، فإن من الواضح أن تضافر عوامل عدة مكَّن الجهاديين من تجنيد عدد صغير ولكنه بالغ الأهمية من العناصر المتشددة في منطقة الصحراء والساحل, ولقد شملت تلك العوامل:
  • الوعظ والدعاية الدينية من قبل المتشددين.
  • التغلغل في نسيج المجتمع عبر الزواج والعلاقات الاجتماعية الأخرى على المستوى المحلي(2).
  • الإغراء بالمال وبثواب الجهاد.
  • الإحباط المتفاقم في صفوف الشباب بسبب الفقر والتهميش.
ومن المعروف أن  الجماعات الجهادية كانت موجودة في شمال مالي قبل أن تشن  MNLA تمردها في يناير/كانون الثاني عام 2012.
ثالثا: أضعف الفساد - الذي تفشى خلال حكم توري - مؤسسات الدولة، وقوض الثقة الشعبية في النظام السياسي، وفتح الباب أمام ممارسة الجماعات الإجرامية والجهادية في الشمال لأنشطة هدامة, وقد كان تعليق الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا منحتين إلى مالي وإنهاء الثالثة في عام 2010 دليلا واضحا على القلق المتزايد بشأن الفساد الذي كان ينخر جسم النظام المالي, وقد أكد هذا الصندوق أن أموال المنح التي قدمها لمالي انتهى بها المطاف في جيوب المسؤولين, وقد أدت هذه الفضيحة إلى تحقيقات رسمية مع وزير الصحة، إبراهيم توريه عمر، وحوالي أربعة عشر موظفا آخر من موظفي الحكومة في العام 2011. وقد دفع الفساد المستشري والمزاعم بأن الرئيس توري قد فاز عن طريق الاحتيال والتزوير في كل انتخابي 2002 و 2007  الماليين إلى الاقتناع بأن ديمقراطيتهم كان خدعة، وأن قادتهم كانوا فوق المساءلة القانونية.
كما أضعف الفساد مؤسسة الجيش كذلك, وهو ما كانت له انعكاسات سلبية على شمال البلاد، إذ لم يترك توري سوى عدد قليل من الجنود بعد اتفاق السلام عام 2009، ومع تفاقم عمليات الاختطاف والهجمات الإرهابية في الشمال، بدأ بعض المراقبين يتهمون مسؤولين في الدولة بالتواطؤ مع الفاعلين، وأثيرت تساؤلات حول السيد بابا ولد الشيخ مثلا، وهو عمدة إحدى بلديات الشمال سبق أن اضطلع بدور في أهم المفاوضات التي جرت لإطلاق سراح رهائن في عامي 2003 و 2009، وحول طبيعة العلاقات بين المسؤولين المحليين وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، كما أثيرت أسئلة أخرى في يونيو 2009، عندما اغتال التنظيم اللفتنانت كولونيل لمانه ولد الشيخ، وهو مسؤول كبير في مكافحة الإرهاب في مالي، في منزله في تمبكتو, وهكذا أشاع الفساد والتواطؤ جوا من السخرية والتهكم على النظام الحاكم  في الجنوب بينما انتشر التحريض على الإجرام في الشمال.
رابعا: فاقمت القلاقل الإقليمية المشاكل في مالي، فالجزائر وموريتانيا والنيجر، ولقد بذلت مالي جهودا معتبرة لصياغة إطار مشترك لمكافحة الإرهاب, لكن سياسات دول جوار مالي  ظلت متباينة ومختلفة - رغم من إنشاء مركز قيادة مشتركة في تمنراست، جنوب الجزائر في عام 2010، وعلى الرغم من عقد قمم إقليمية عديدة - حيث انتهجت هذه الحكومات مقاربات متباينة تجاه هذا التنظيم, فعلى سبيل المثال، سحبت الجزائر وموريتانيا سفيريهما من باماكو احتجاجا على إقدامها على التفاوض لتبادل الأسرى مع هذا التنظيم في فبراير 2010.(3)
وتزامن انفرط عقد التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب وتعثره مع تدفق المقاتلين والأسلحة على كل منطقة السلاح، إثر اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا في العام 2011, وهكذا عاد الطوارق-  بعد أن قاتلوا من أجل الزعيم الليبي الراحل، العقيد معمر القذافي، ذلك الرجل الذي تلاعب كثيرا بالسياسة في منطقة الساحل وكثيرا ما أظهر الود والصداقة وقت السّرّاء للطوارق-  إلى مالي للانضمام الى MNLA أو غيرها من الجماعات المسلحة, وقد زادت الأسلحة الليبية القدرة التسليحية لهذه المجموعات، وواجه هؤلاء المقاتلون المخضرمون المدججون بالسلاح القوي، جيشا ماليا يعاني نقصا في التمويل والتجهيز، فطردوه من المدن الواحدة تلو الأخرى اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2012.
الانتقال إلى الهيمنة الاسلامية
خلال فترة ما بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2012، اجتاحت MNLA بالتنسيق مع جماعات إسلامية أخرى مناطق شاسعة من الشمال المالي, وتسارعت وتيرة الانتصارات العسكرية لــ MNLA بعد الانقلاب الذي أطاح بتوري في 22 مارس 2012. وفي السادس من أبريل/ نيسان 2012، أعلنت حركة  MNLA رسميا استقلال "أزواد". ولكن المؤشر توجه إلى الانحدار، فسرعان ما فقدت هذه الحركة السيطرة السياسية والعسكرية في المنطقة, وسرعان ما تم تهميش  MNLA العلمانية من قبل إسلاميين لا يأبهون لتطلعاتها لإقامة وطن مستقل في إقليم "أزواد"، بل ينصب شغلهم الشاغل على تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية بصرامة، وبعد هزيمة MNLA في معارك بتمبكتو، وكيدال، وغاو، وأماكن أخرى، أعلن أنصار الدين وحلفاؤهم في 28 يونيو/حزيران 2012 سيطرتهم على كل الشمال المالي(4)وكانت حركة أنصار الدين قد تأسست في أواخر عام 2011 من قبل الزعيم الطارقي المخضرم إياد آغ غالي الذي كان أحد زعماء التمرد في تسعينيات القرن الماضي, بل كان لسنوات عديدة شخصية محورية في سياسة المتمردين الطوارق.
وقد ارتكبت MNLA خطأين سياسيين خطيرين نجملهما في الآتي:
  • إخفاق الحركة الوطنية في اجتذاب كبار سماسرة السلطة المحلية إلى تحالفها، وخصوصا إياد أغ غالي الذي عرف بتلونه السياسي كأحد قادة تمرد تسعينيات القرن الماضي، فهو الذي شارك في مفاوضات الفترة ما بين 2006 و2009 قبل أن يعود كناشط إسلامي مولود من جديد(5). ويمكن أن يكون قرار اياد غالي تشكيل أنصار الدين قد عكس القناعات الدينية الجديدة لهذا الرجل، كما  مثل خطوة للالتفاف على MNLA من خلال الاستفادة من الضرب على وتر التطلعات الدينية, وهكذا مثل الدين ورؤية أنصار الدين الشاملة - التي تصبو إلى تحويل مالي إلى دولة إسلامية في مقابل رؤية  MNLAالتي تقتصر على إنشاء دولة أزواد العلمانية المستقلة -  قاعدة إيديولوجية مشتركة لتحالف أكبر وأفضل تسليحا وأشد قوة من MNLA، وقد فشلت محاولات الاندماج التي تمت بين أنصار الدين و MNLA في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2012 ولم تعمر الوحدة التي توصلتا إليها سوى لفترة وجيزة.
  • لقد خلقت MNLA لنفسها عداوات بين المدنيين في الشمال المالي, خصوصا بعد أن ذكر بعض اللاجئين الفارين من مناطق الصراع في أوائل العام 2012 أن مقاتلي MNLA مارسوا أعمال السلب والنهب والاغتصاب بحق المدنيين، وأن القلاقل سادت المناطق التي سيطرت عليها هذه الحركة على الأقل ظاهريا, ولقد لقي المقاتلون الاسلاميون-  بعد طردهم مقاتلي MNLA من المدن والبلدات الشمالية - بعض التأييد بين السكان المحليين الذين سئموا غياب القانون وغياب النظام والمساعدات، وفي المقابل قامت أنصار الدين وحلفاؤها بتوزيع المواد الغذائية وتقديم الوعود بإشاعة العدالة لجذب المزيد من الدعم المحلي. ومع ذلك، شجب بعض الشماليين تطبيق الشريعة الإسلامية الذي عملت تلك الحركات الإسلامية على فرضه, وهجر بعضهم المنطقة غير أن آخرين رحبوا بهذا الإجراء أو على الأقل تغاضوا عنه.
وقد أصبح تقسيم مالي أمرا واقعيا -بعد سيطرة ائتلاف الحركات الإسلامية على شمال مالي-  فخلال النصف الأخير من عام 2012 تولى السيطرة على المنطقة الشمالية الغربية من تمبكتو أحد القادة الكبار بتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وهو من أصل جزائري بينما تولت حركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا تسيير شؤون مدينة غاو الواقعة في الشرق, فيما كانت مدينة كيدال الموجودة في الشمال من نصيب اياد أغ غالى.
تعثر المفاوضات وطريق التدخل العسكري
طلبت الحكومة المؤقتة في مالي في سبتمبر/أيلول 2012 مساعدة المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إي كواس/ ECOWAS)، لمواجهة تهديد الحركات الإسلامية المتفاقم، والمساعدة على قمع التمرد الذي يشهده شمال البلاد.
وقد اعتمدت المجموعة – تلبية للطلب المالي- مقاربة من شقين لحل الأزمة:
أولا: كلفت الرئيس البوركينابي بليز كومباوري بالتفاوض مع ممثلي أنصار الدين على أمل إقناع هذه الجماعة بقطع علاقاتها مع القاعدة بالمغرب الإسلامي والقبول باتفاق سلام مع الحكومة المالية وقد تعهد أنصار الدين - بعد محادثات السلام في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في واغادوغو مع الرئيس كومباوري - بنبذ التطرف والإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والدخول في حوار مع جميع الأطراف لحل الأزمة بمالي، وتلا ذلك مفاوضات أخرى مع وفد آخر من أنصار الدين في الجزائر في محاولة لإنهاء الازمة.
ثانيا: ضغط ECOWAS/ إيكواس - دبلوماسيا - من أجل تدخل عسكري حال فشل المفاوضات، وفي هذا الإطار، أحالت ECOWAS   إلى مجلس الأمن الدولي طلب الحكومة المؤقتة في مالي لمساعدتها في قمع التمرد.
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر  مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2071، الذي يفوض المجموعة والاتحاد الأفريقي (AU) وضع خطة للتدخل العسكري الدولي في مالي وتقديم تقرير عن تطورات هذه التحركات في غضون 45 يوما. وتماشيا مع ذلك, عقد خبراء عسكريون من أفريقيا والأمم المتحدة وأوروبا اجتماعا - مدة أسبوع - في باماكو، وضعوا خلاله خطة أولية لنشر ما بين 3000 و4000 جندي لاستعادة شمال مالي من جماعات المتمردين المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وبعد اجتماع باماكو عقد اجتماع آخر يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في أبوجا، وأجمع ممثلو ECOWAS على تشكيل قوة تدخل قوامها 3300 لاستعادة شمال مالي من المتمردين الإسلاميين، وأحيل قرار المجموعة إلى الاتحاد الافريقي، وأيد مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي بدوره الخطة المقترحة من قبل هذه المجموعة، وأكد مفوض الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن رمضان العمامرة، - في مؤتمر صحفي في أديس أبابا، بإثيوبيا يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2012- أنه قد "تقرر في هذا اليوم في ضوء جميع العوامل ذات الصلة بإقرار العمليات المنسقة لخطة نشر قوات AFISMA، وهي الاختصار المعتمد لبعثة الاتحاد الأفريقي لدعم مالي"(6)، وقدمت الخطة العسكرية في وقت لاحق إلى مجلس الأمن بموجب تفويض القرار 2071.
وقد سمح مجلس الأمن الدولي - في القرار 2085 الذي اعتمد في 20 ديسمبر/كانون الأول 2012-  بنشر AFISMA في مالي لفترة أولية مدتها سنة واحدة، وحث القرار أيضا السلطات الانتقالية في مالي على وضع إطار عمل –دون تأخير- للتفاوض مع جميع الأطراف في شمال مالي ممن قطعوا كل علاقاتهم بالمنظمات الإرهابية, وقد كانت التوقعات – بسب التحديات الجلية المتعلقة بالتمويل والتدريب والمسائل اللوجستية - تشير إلى أن الانتشار الفعلي لهذه القوة لن يكون قابلا للتنفيذ إلا بحلول سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول من العام 2013.
ومع ذلك واصلت ECOWASمفاوضاتها مع المتمردين الإسلاميين في شمال مالي وخلال لقاء مع الرئيس بليز كومباوري في 3 يناير 2013، طالبت حركة أنصار الدين بالحكم الذاتي للشمال وبتطبيق الشريعة، قبل أن تقرر - بعد جولة ثانية من المحادثات في واغادوغو بينها وبين MNLA وعلى لسان زعيمها إياد أغ غالى - تحللها من التعهد السابق بالسلام, متهمة الحكومة المالية بإعداد العدة للحرب في الوقت الذي تجري فيه محادثات السلام وذلك من خلال العمل على قدم وساق لتجنيد واسع النطاق لمقاتلين سابقين ومرتزقة من ليبيريا وسيراليون وساحل العاج.
وبعد تعثر المفاوضات في واغادوغو والجزائر، بدأ المقاتلون الإسلاميون سلسلة من الهجمات العسكرية الصغيرة التي شملت طرد الميليشيات المحلية ومقاتلي MNLA من مدن مثل ليري ومينانكا, كما شن المقاتلون الإسلاميون - منذ بداية يناير/كانون الثاني 2013- حملة أكثر خطورة، تقدموا خلالها إلى منطقة موبتي الواقعة في وسط مالي في محاولة للسيطرة على بلدتي كونا وسافاري (Konna وSevaré).
ولا يستبعد أن الإسلاميين كانوا يسعون للاستيلاء على إحدى معالم البنى التحتية الرئيسية في المنطقة (مثل مطار في Sevaré)، الذي يعتقد أن القوات المسلحة القادمة من خارج مالي كانت تسعى إلى استخدامه في التدخل - إذا تم في نهاية المطاف -  في الشمال المالي، لكن توغل الإسلاميين في موبتي دق ناقوس الخطر في الدوائر الحكومية في باماكو وباريس, ورأت فرنسا - في تقدم الإسلاميين نحو مدينة كونا Konna التي لا تبعد سوى 70 كيلومترا إلى الشمال من معقل الحكومة في سافاري Sevare-  تهديدا واضحا للعاصمة باماكو, وتفاقمت  المخاوف الحقيقية بأن الجيش المالي المنهزم نفسيا سينهار ببساطة أمام هجمات المقاتلين الإسلاميين المتزايدة, وبعد الهجوم المشترك من قبل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وأنصار الدين وجماعة التوحيد والجهاد على بلدة Konna في 10 يناير 2013، ناشد الرئيس المالي المؤقت ديونكوندا تراوري فرنسا الإسراع بنجدة مالي.
التدخل العسكري الفرنسي الإفريقي: AFISMA
نشرت فرنسا - بناء على طلب الرئيس تراوري ونظرا للموافقة الموجودة من خلال قرار مجلس الأمن 2085 لنشر قوة  AFISMA بمالي -  بعض قواتها ضمن ما اطلقت عليه اسم " عملية سيرفال أو القط المتوحش" في 11 يناير 2013، لوقف تقدم الإسلاميين الذين أظهروا عزمهم على غزو باماكو، وهكذا شنت الطائرات الفرنسية ميراج ورافال المقاتلة ضربات جوية طالت حزاما واسعا من معاقل الإسلاميين، يمتد من غاو ويمر بكيدال في شمال شرق البلاد، بالقرب من الحدود مع الجزائر، ويصل بلدة ليري في الغرب بالقرب من الحدود مع موريتانيا (الشكل 1).
وقد مكنت ضربات فرنسا الجوية وهجماتها البرية على معاقل المتمردين من استعادة كونا ودونتزا, وغاو وتومبوكتو وكيدال، كما عجلت التقدم لاستعادة المزيد من الأراضي من سلطة الإسلاميين.، كما استهدفت الطائرات الحربية الفرنسية - التي انطلقت من فرنسا وتشاد - مناطق في العمق المالي وغطت مسافة هذه العمليات الميدانية ما يقرب من 2000 كيلومتر من الشرق إلى الغرب(7)، وتخطط فرنسا لزيادة عدد قواتها البرية لتصل حوالي 3700، حيث تواجه مقاتلين إسلاميين متمرسين على العمليات القتالية ومسلحين تسليحا جيدا.
الشكل 1: خريطة للصراع بمالي تعرض بشكل عام معاقل القوات المختلفة والأماكن التي استهدفتها الغارات الجوية(8).
خارطة توضح المدن أو المناطق الواقعة في شمال مالي ومن يسيطر عليها
ورغم أن وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس يدَّعي – بين الحين والآخر - أن أهداف التدخل الفرنسي  في مالي هي العمل على مساعدة الجيش المالي في وقف تقدم المتمردين الإسلاميين جنوبا، وحماية سلامة الدولة المالية، والمساعدة في إنقاذ الرهائن الفرنسيين, فإن المحللين يؤكدون أن التدخل الفرنسي مرتبط أكثر بسعي باريس لحماية وصون مصالحها القومية الحيوية في المنطقة.
ذلك أن الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة لفرنسا تتجلى في الثروات الطبيعية لشمال مالي, وخصوصا الغاز والثروة المعدنية، التي تقع على مقربة من حقول النفط الجزائرية التي تسيل لعاب الفرنسيين, كما أنها على مسافة قريبة من مواقع موريتانية أظهر التنقيب فيها مؤشرات إيجابية(9).
ويضاف إلى هذا المزيج - حقيقة - وجود حوالي 6000 من المواطنين الفرنسيين الذين يعيشون في مالي، ناهيك عن كون تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به العاملة في منطقة الصحراء والساحل يعتبر الفرنسيين - من بين الغربيين الآخرين- هدفا أوليا للخطف.
وعلاوة على ذلك، تنتج فرنسا ما يقدر بنحو 20% من كهربائها من الطاقة النووية التي تعتمد على اليورانيوم المستورد من مصادر من منطقة الساحل، وخصوصا من مناجم النيجر، جارة مالي من الجهة الشمالية الشرقية.
وتفسر هذه العوامل نشر فرنسا – بسرعة منذ بداية تدخله -  قواتها الخاصة والمعدات العسكرية الثقيلة للمساعدة في حماية المواقع المملوكة لشركة أريفا الفرنسية التي تنتج اليورانيوم في أرليت وإيمورارين في النيجر.
وهكذا، فإن المصالح الفرنسية أضحت عرضة للخطر في مالي على وجه الخصوص، ومنطقة الصحراء والساحل بشكل عام، وبالتالي فإن التدخل الفرنسي ما هو إلا خطوة لضمان السيطرة الفعلية على منطقة تعتبرها باريس تقليديا مركز نفوذ خاص بها لكونها جزء من مستعمراتها السابقة، غير أن هذه المنطقة غدت اليوم وعلى نحو متزايد, بؤرة توتر لدرجة جعلتها تمثل تهديدا خطيرا للأمن الإقليمي بل والعالمي.
وقد قوبلت سرعة التدخل الفرنسي في مالي بالثناء والإشادة من قبل الماليين والزعماء الإقليميين لغرب أفريقيا, كما رحب المجتمع الدولي بذلك وتجلى ترحيبه في التعهدات الاقتصادية، التي وعدت بها دول مانحة سلطة باماكو لمساعدتها على دحر المتمردين الإسلاميين، حيث  تعهد الاتحاد الافريقي بالمساهمة بمبلغ 50 مليون دولارا، واليابان بـــ 120 مليون دولار كما تعهدت ألمانيا بتقديم 20 مليون دولار، والهند والصين بمليون دولار لكل منهما، والولايات المتحدة بـ  96مليون دولار(10).
وبدأت قوات غرب أفريقية من بنين وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وتوغو، والسنغال، تتقاطر للانضمام للقوات الفرنسية ومساعدتها في الزحف نحو المناطق التي تقع تحت سيطرة الإسلاميين في شمال مالي, كما تعهدت أكثر من عشر دول إفريقية أخرى من بينها تشاد وتنزانيا وجنوب أفريقيا ورواندا بالمساهمة بقوات في هذا الجهد، ومن المتوقع أن يصل عديد هذه القوات في نهاية المطاف قرابة 8000 جندي أفريقي.
وتجدر الإشارة هنا - بشكل خاص - إلى مساهمة نيجيريا في حل هذه الأزمة, إذ خصصت هذه الدولة حتى الآن 34 مليون دولار تقريبا لهذه المهمة ونشرت 900 جندي مقاتل في مالي و300 من أفراد القوات الجوية وهو ما يستحق الانتباه  لسببين رئيسيين:
  • السبب الأول: كون نيجيريا القوة الاقتصادية الكبرى في غرب أفريقيا, وهي كذلك القوة العسكرية ذات الخبرة الواسعة في عمليات حفظ السلام، مما يجعل الكثيرين يعتقدون أن عليها أن تلعب دورا بارزا في هذا التدخل العسكري.
  • السبب الثاني: وربما هو الأهم أيضا، ويتعلق بالتهديد المتزايد للعلاقة الإيديولوجية والتكتيكية التي تربط الجماعات الإسلامية في مالي واثنتين من الجماعات الجهادية في نيجيريا هما: جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد المعروفة بــ"بوكو حرام" (11) وجماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان, وعليه فإن تدخل نيجيريا يخدم مصالحها الاستراتيجية, إذ يمنحها الفرصة في منع شمال مالي من أن يوفر ملاذات آمنة للإسلاميين المتشددين الذين يهددون وجودها كدولة علمانية.
 مسارات أمنية محتملة
لا شك أن التدخل العسكري للقوات الفرنسية وقوات دول غرب أفريقيا في شمال مالي غيّر مسار الأزمة في هذه المنطقة, فقد مكّن هذا الهجوم القوات المتحالفة من التقدم بخطوات متسارعة على الأرض وأجبر الجماعات الإسلامية على الانسحاب من المناطق التي كانت تحتلها  وتسعى لإقامة دولة إسلامية فيها في الشمال المالي.
ينضاف إلى ذلك نجاح القصف الجوي الفرنسي في تمدير ما كانت هذه الجماعات الإسلامية تتبجح بامتلاكه من أسلحة متطورة، وإذا حافظت القوات الفرنسية والإفريقية على وتيرة الهجمات الجوية والبرية الحالية، فإنها ستكبد هذه الجماعات مزيدا من الخسائر وستجبرها على الانسحاب من الأراضي المالية, وهو ما سيضطر الجماعات المذكورة إلى إعادة رسم استراتيجيتها - وهي تتقهقر - أو إلى الذوبان في السكان المحليين, وهو ما من شأنه – ربما- تغيير المشهد الأمني داخل أفريقيا بل وخارجها, واعتمادا على ما سبق يمكن الوصول إلى الاستقراءات التالية.
اعتماد تكتيكات صارمة لمكافحة الإرهاب  داخل مالي
لا بد أن يوضع في الحسبان – وفي نفس في الوقت الذي تتقدم فيه القوات الإفريقية في شمال مالي وتسترد فيه المزيد من الأراضي التي كان المتشددون الإسلاميون قد سيطروا عليها - أن الجماعات الإسلامية قد تتبنى منهج حرب عصابات المدن، كما قد تزيد من استخدام تكتيكات إرهابية ما فتئ عناصرها يطبقونها منذ احتلالهم لشمال مالي، وسوف تشمل التكتيكات المحتملة مستقبليا إطلاق النار من السيارات المسرعة والاغتيال المستهدف والعمليات البشعة من قبيل قطع رؤوس من يقبضون عليهم من القوات المالية أو قوات التحالف، إضافة إلى استخدام العبوات الناسفة والتفجيرات الانتحارية ضد أهداف متعددة مثل البنية التحتية الحيوية، والقوات المالية والأجنبية، والمسؤولين الحكوميين، وما إلى ذلك وسيلعب المقاتلون الإسلاميون من ذوي الخبرة في أفغانستان والعراق وباكستان دورا رئيسيا في تشكيل هذا المشهد الأمني الجديد.
هجمات تشنها مجموعات محلية مرتبطة بهذه الجماعات أو متعاطفة معها
من الوارد جدا  تزايد الهجمات الجهادية من مجموعات محلية مرتبطة بالجماعات الإسلامية في مالي أو متعاطفة معها وخصوصا داخل البلدان  التي تساهم بقوات في البعثة العسكرية في مالي، ومن المتوقع أن تشمل تلك الهجمات أهدافا مدنية وعسكرية في  الدول المذكورة.
وقد شهدت نيجيريا بالفعل هجمات قامت بها جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان تضامنا مع الإسلاميين في مالي، فقد اخْتطِف - في  19 ديسمبر 2012، - فرانسيس كولومب، وهو مواطن فرنسي يعمل في ولاية كاتسينا لحساب شركة فيرغنت الفرنسية، وتبنت تلك العملية جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان، مبررة فعلتها بقرب التدخل العسكري الفرنسي في مالي، إضافة إلى رفضها مساهمة القوات النيجيرية في بعثة مالي، كما نصبت جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان كمينا في 19 يناير 2012 استهدف شاحنة تقل جنودا نيجيريين في  ولاية كوجى حين كانوا في طريقهم للانضمام للبعثة في مالي، وقد أسفر الكمين عن مقتل جنديين وإصابة آخرين. وثمة مخاوف من أن تكثف كل من بوكو حرام وجماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان هجماتها على الأراضي النيجيرية، بحيث تركز جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان على الأهداف الأجنبية, فيما تتولى جماعة بوكو حرام الهجمات على أهداف محلية، وهذه بعض الإجراءات الممكنة التي من المحتمل أن تلجأ لها الجماعات الجهادية المحلية، والمتعاطفون مع المتمردين الإسلاميين في مالي وبعض دول المنطقة  في الأيام أو الأشهر المقبلة.
هجمات للإثارة وجس النبض
إحدى التداعيات الأخرى المحتملة لهذا التدخل العسكري ستكون عبر شن  هجمات "مدوية" أو هجمات لــ"جس النبض" تستهدف المصالح الفرنسية والغربية، وستتم هذه الهجمات المذهلة داخل الدول الافريقية، ومن المرجح أن تنجح هذا - نظرا لضعف أجهزة الأمن القومي لهذه الدول, وغياب البنى التحتية الضرورية  لجمع المعلومات في أغلب الدول الإفريقية - ويمكن اعتبار الهجوم الأخير الذي شنته هذه الجماعات على محطة ضخ الغاز في عين آمناس في الجزائر مثالا جليا على هذا الأمر, ففي 16 يناير/كانون الثاني 2013، أقدمت جماعة من لواء الملثمين - أو من يطلقون على أنفسهم لواء "الموقعين بالدم" التي أسسها المتشدد المعروف مختار بلمختار - على احتجاز مئات من العمال كرهائن في محطة الغاز المذكورة.
وانتهت عملية احتجاز الرهائن - التي استمرت لمدة أربعة أيام - عندما اقتحمت القوات الجزائرية المحطة، مما أدى إلى خسائر بشرية فادحة، وكانت نتيجة العملية إطلاق سراح العمال الجزائريين البالغ عددهم 685 إضافة إلى 107 من أصل 132 من الأجانب العاملين في  المصنع، في حين قتل 37 رهينة و32 من الإرهابيين, ويشكك بعض المحللين في وجود أية علاقة بين التدخل العسكري الفرنسي وهجوم عين أمناس، وذلك على أساس أن مثل هذه العملية الواسعة النطاق يتطلب الإعداد لها الكثير من  التخطيط اللوجستي ومن الموارد, وهو ما لا يمكن – حسب رأيهم - أن يتحقق في هذا الوقت القصير جدا.
ومع ذلك، فإن معرفة بلمختار الواسعة  بالأرض الجزائرية وتمتعه بعلاقات مع مجتمعات محلية في جميع أنحاء الساحل يجعل مثل هذا الهجوم المذهل ممكنا. ويتعزز هذا الطرح بالبيان التهديدي الذي أصدره لواء الملثمين -  فور انتهاء عملية الاختطاف في عين آمناس أصدر - ووعيده بشن المزيد من الهجمات على البلدان التي سترسل قوات إلى مالي.
ويتوقع - في أوروبا وأماكن أخرى في جميع أنحاء العالم-  أن تشن جماعات جهادية ذات صلة بتنظيم القاعدة أو يشن أفراد أغراهم الخطاب الإسلامي هجمات نوعية على بعض الأهداف الرخوة، انتقاما ممن شاركوا في التدخل العسكري في مالي، ويتوقع أن تشن هذه الهجمات في أكثر أحوالها من طرف أفراد بدلا من شنها موسعة تشارك فيها مجموعات.
الخاتمة
لقد سجل التدخل العسكري الفرنسي في مالي بعض النجاحات الأولية مثل الاستيلاء على المدن الهامة وتخليص الحكومة الانتقالية الضعيفة في باماكو من براثن غزو المتمردين الإسلاميين, لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت 'الحرب في مالي' ستنتهي قريبا أو تمتد لفترة طويلة جدا.
لكن المؤكد والواضح جدا هو أن هذا التدخل العسكري ستكون له عواقب ليس على الأمن داخل أفريقيا فحسب بل وخارجها، وهو ما لا ينبغي أن يقف حجر عثرة في  وجه الجهود الدولية لاستعادة الاستقرار والحكم الديمقراطي في مالي. و يتعين - كي يستتب السلام والأمن بصورة مستديمة في مالي-  تحقيق التوصيات التالية:
  • ينبغي للمجتمع الدولي, ومن خلال مجموعة الاتصال التابعة للإيكواس (ECOWAS), أن يدعم الحكومة الانتقالية والنخبة السياسية في مالي لإدخال إصلاحات سياسية واسعة النطاق من شأنها التأسيس لحكم ديمقراطي حقيقي في مالي.
  • ينبغي دعم الحكومة الانتقالية في مالي  لانتهاج استراتيجية شاملة للإصلاح وإعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى.
  • ينبغي أن تتكتل بلدان وسط وغرب وشمال إفريقيا في نظام إقليمي قوي يمكنها من مكافحة التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، مع التركيز على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وأمن الحدود ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة التي تشمل المخدرات، والبشر، والأسلحة، والمتفجرات والمقاتلين.
  • ينبغي للقوات الفرنسية والإفريقية أن تستثمر في بناء أساليب علاقات قوية وودية مع مجموعات السكان المحلية في شمال مالي لتحرم الجماعات المتمردة من أن تحظى بأي نوع من الدعم من قبل السكان المحليين، وعلى القوات الفرنسية والأفريقية وهي تخوض المعركة ضد الإسلاميين في مالي أن تتجنب أي نوع من انتهاك حقوق الإنسان.
  • يجب على القوات الفرنسية والإفريقية أن تطور خطة معلوماتية واسعة النطاق أو إستراتيجية "عملياتية" نفسية لمواجهة الدعاية الجهادية التي تتهم القوات المالية والأجنبية بإعلان حرب مفتوحة من أجل "تدمير الإمبراطورية الإسلامية في مالي ، وينبغي أن تنفذ تلك الاستراتيجية من قبل الحكومة الانتقالية في مالي.

    وعلى البلدان (وخصوصا تلك التي بها نسبة كبيرة من المسلمين) والتي أرسلت قوات إلى مالي أن تفعل الشيء نفسه لمواجهة مسحة التطرف داخلها.
  • وعلى الإيكواس أن تدعم مالي لتطوير وتنفيذ استراتيجية واسعة من المصالحة الوطنية، مع التركيز على معالجة قضايا دولة مالي وما يتعلق بالمفاوضات لإيجاد حلول لقضايا الظلم والتهميش التي يعاني منها الطوارق والعرب.
نص المصدر كاملا دون تصرف

جميع الحقوق محفوظة لمدونة الرأي الأزوادي2014