الخميس، 2 يناير 2014

صناعة العقل أم صناعة المال



الرأي الأزوادي- وائل عبدالمؤمن مرزا


الحقيقة أن الكثير من أصحاب رؤوس الأموال وبعض مدراء الشركات ، يركزون دوما على رأس المال وما يتبعه من شراء الأصول كالمعدات أو المكائن والتي تدرالعوائد على رأس المال، ويجتهدون كثيرا في وضع الخطط الإستراتيجية لإدارة رأس المال وتحقيق فاعلية أكبر، وذلك عن طريق التركيز على تقليل التكاليف وتحقيق معدلات نمو طموحة تتماشى مع توقعات ملاك الشركة .. وهذا كله جميل ..
  ولكن من الخطأ أن يتم تجاهل رأس المال البشري والمتعلق بموظفي الشركة ، والذين هم في الواقع من يشاركون في عملية الإنتاج ، وهم من يعالجون المشاكل و يجعلون بصمتهم الإبداعية على الصناعة والإنتاج ، ومن جهة أخرى فهناك حساسية بالغة في موضوع إنتاجية الموظفين ، فالإنتاجية العالية هي من ستحقق نموا أعلى لأرباح شركاتهم ، بينما قلة الإنتاجية وعدم الدقة في إنجاز العمل ستكلف شركاتهم خسائر كبيرة وبالتالي ستؤدي إلى خسارة قاعدة كبيرة من العملاء .
إذا نستنتج من ذلك أهمية صناعة المال وتوليد الأرباح على رأس المال ، ومن جهة أخرى أهمية صناعة العقول البشرية للموظفين ، والذين سيبنون النمو والإستمرارية لشركاتهم ، وهذا مايعرف في عرف الإدارة باستراتيجية النمو المتوازن (balanced growth) ، وهو النمو المتوازن مابين النمو في قدرات ومهارات الموظفين التراكمية ، والنمو في الأصول الثابتة والتي تولد المنتجات والخدمات .
  وهنا قد يقول مدير عام أي شركة : لماذا تحملني هذه التكاليف الشهرية من التدريب والتطوير ، والتي ستحرم مالكيالشركة من زيادة أرباحهم ؟ لذا سأجيب عن هذا السؤال بثلاثة أطروحات وذلك على النحو التالي :
                  أ ‌ -                   هل تعلم أن الأرباح القصيرة العالية التي حققتها لملاك الشركة قد تتآكل مع الوقت ، نظرا لأن موظفيك ينقصهم المهارة والدقة في تنفيذ أعمالهم ، وأيضا قد يفتقدون إلى معايير الجودة في التعامل مع العملاء ، وبالتالي ستخسر قاعدة مهمة من عملائك .. إذا فأنت موعود بخسائر قريبة ؟
              ب ‌ -               إذا ضحيت ببعض الأرباح لأنك وجهت جزء منها لتغطية مصاريف التطوير والتدريب ، فأنت بهذا قد رفعت مهارات رأس المال البشري لديك ، وبالتالي ستتوسع نشاطات الشركة بشكل تلقائي أكثر ، وذلك لأن تطور الفكر لموظفيك سيصنع منهم ماكنة إنتاج مستمرة الإبداع .
              ت ‌ -               تستطيع تحويل مصاريف التدريب والتطوير إلى أرباح ، وذلك عندما تخرج من برامج التدريب المعدة لموظفيك بأفكار وخطط ترفع الإنتاج وتوسع حصة شركتك السوقية وفتح أسواق جديدة لها أيضا .
ولكي نعطي مثالا عن أهمية صناعة العقل البشري (والتي هي عملية معرفية متراكمة) في تغيير الخارطة الإقتصادية ، أورد لكم مثالا عن دولة الهند فبعد جهود مضنية وخطط إستراتيجية طويلة المدى لمنظومة التعليم ، إستطاعت الهند الظهور على الخارطة الإقتصادية العالمية في القرن الواحد والعشرين عن طريق جيلها الثالث المثقف والمتعلم جيدا وخاصة في مجال الخدمات ، كالخدمات المالية والبرمجية والسياحية حتى أصبحت الهند حاليا تاسع دولة عالميا حسب الناتج المحلي وذلك حسب تقرير البنك الدولي من تاريخ 1990 وحتى 2012 .
إذا فالتعليم الأساسي (مرحلة ماقبل الجامعة) مهم   جدا ، وذلك لأنه النواة الأولى لتأسيس الفكر والمعرفة في الأجيال ، وتشجيع روح الإبتكار والإختراع فيهم أيضا ، ولكي ننظر إلى المستقبل يجب أن نقرأ الواقع فهناك الكثير من الدول التي تتنافس حاليا للحصول على مراكز متقدمة عالميا في مؤشر التعليم ، والذي هو جزء من المؤشر الإجمالي العام للنماء البشري لدول العالم ( hdi ) والتابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( undp ) في تاريخ 2012 .
http://download.mrkzy.com/u/2613_d5d1777a079a1.jpg
ومن الملاحظ تفوق نيوزلندا كأفضل دولة في العالم في التعليم ما قبل الجامعة ، هذا بالإضافة إلى ستة دول أوروبية أخرى في قائمة العشر الأولى ، ومن المدهش وجود كوريا الجنوبية في المرتبة السادسة عالميا ، وهذا ما يعطينا بعض التصور عن مستقبل الإقتصاد في تلك الدول .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة الرأي الأزوادي2014