الأربعاء، 26 فبراير 2014

الوضع الأمني بالساحل والصحراء بعد سنة من التدخل الفرنسي بمالي

الرأي الازوادي- وكالات 

محمد عبدالله ولد آدّا


في 11 يناير/كانون الثاني 2012 قرر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند التدخل العسكري في مالي لوضع حدّ لتقدم المجموعات المسلحة التي أضحت تسيطر على ثلثي مساحة البلاد، واستأنفت زحفها نحو المدن الكبرى في الجنوب بعد السيطرة على مدينة كونا وتهديد القاعدة الجوية الاستراتيجية "بجابالي" التي تشكّل آخر حصن قبل باماكو وأهم مرتكز لأي تدخل جوي.
كان واضحًا عجز القائمين على الشؤون المالية، حينها، عن مواجهة الجماعات المسلحة المتمثلة أساسًا في كتائب القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وحركة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا "ميجاو"، التي نجحت في تحييد الحركة الوطنية لتحرير أزواد وطردها من كافة المدن في الشمال المالي.
لا شك أن للتدخل الفرنسي أهدافًا عديدة، استراتيجية وتكتيكية، يترتب تحقيقها على نجاح عملية "سرفال" التي نالت ترحيبًا كبيرًا في الجزء الجنوبي للبلاد وكذلك لدى دول غرب إفريقيا في حين كان بعض دول شمال القارة ينظر بشيء من الريبة إلى هذا التدخل، نظرًا لما سينجم عنه من إعادة  تموقع القوات الغربية على حدودها مما يشكّل تهديدًا لأمنها ومصالحها الحيوية.
أولاً: أهداف عملية "سرفال"
ينبغي الإشارة إلى أن فرنسا دأبت على التدخل في ما تعتبره منطقة نفوذها على اختلاف حكوماتها اليمينية أو اليسارية.
وقد تم ذلك عدة مرات منذ انفصال هذه الدول عن الإمبراطورية الفرنسية وفي عدة مناطق منها جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير) 1977، تحت الحكم اليميني، كما تدخلت تحت حكم اليسار في تشاد عام 1984-1985، لدحر الهجوم الليبي وإخلاء شريط أوزو التشادي، كما تدخلت عام 2002 في جمهورية ساحل العاج لمنع سيطرة مقاتلي شمال البلاد على العاصمة أبيدجان لتعود سنة 2010 لطرد الرئيس لوران غباغبو وتنصيب الحسن واتارا، ناهيك عن التدخل في ليبيا عام 2011، التي كانت خارج دائرة منطقة النفوذ الفرنسي إلا أنها حسب التخطيط الفرنسي تدخل في المجال الحيوي لهذه المنطقة. وأخيرا ومع بداية هذه السنة 2014 تدخلت فرنسا في جمهورية إفريقيا الوسطى.
كان واضحًا أن من أهداف التدخل الفرنسي في مالي، المحافظة على التوازنات الجهوية في الجزء الشمال الغربي للقارة الإفريقية، التي كانت مهددة بسيطرة الجماعات المسلحة القادمة من الشمال مما سيشكّل خطرًا على الدول الأخرى التي توجد بها مصالح حيوية فرنسية.
يجدر التنبيه إلى أنه في إطار التجاذبات الدولية، تعتبر فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة القادرة، باستثناء بريطانيا نسبيًا، على نشر قوات عسكرية خارج حدودها بكثير من المهنية، ويساعدها على ذلك  التواجد الدائم لقواتها في عدد من الدول الإفريقية وهو ما زاد في السنوات الأخيرة، نظرًا لتنامي الاضطرابات في المنطقة وازدياد خطر الجماعات المسلحة في دول الساحل وغرب إفريقيا، بما يشكّل خطرًا على المصالح الاستراتيجية الفرنسية، خاصة أن لهذه الجماعات العديد من الصلات والارتباطات داخل أراضيها؛ الأمر الذي يهدد بإمكانية نقل المعركة إلي داخل التراب الفرنسي وهو ما تعمل فرنسا بكل الوسائل على تفاديه.
يساعد هذا الدور العسكري المتنامي فرنسا في المحافظة على موقعها في العالم كقوة كبري، عضو في مجلس الأمن، كما يؤهلها للقيام بمهام باسم المجموعة الأوروبية، التي تكتفي أساسًا بالدعم الاقتصادي لها، ويجعل الولايات المتحدة الأميركية تطمئن لشراكتها معها في المنطقة في ظل بروز جمهورية الصين كلاعب جديد على الساحة الدولية وفي افريقيا خصوصًا ومحاولة روسيا لاستعادة دور الاتحاد السوفيتي السابق على المستوى الدولي والإقليمي، خاصة بعد التدخل الفرنسي في ليبيا، الذي أفقدها حليفًا استراتيجيًا في المنطقة.
لا يمكن تغييب صراع المصالح الاقتصادية عن مسوغات التدخل في مالي لأن فرنسا، من بين أمور اقتصادية أخرى، تعتمد بنسبة 73% من طاقتها على المفاعلات النووية التي تتزود باليورانيوم أساسًا من منطقة أزواك النيجرية المحاذية لمنطقة أزواد في شمال مالي، المستغلة من طرف شركة "أريفا" الفرنسية، التي أبرمت مؤخرًا اتفاقية استغلال مشترك لليورانيوم في مالي مع شركة "روك جيت" (ROCK - JET) الكندية، مع العلم بأن الشركات الكندية تعتبر عادة، ذراعًا للمصالح الاقتصادية الأميركية.
أظهرت الدراسات أن المنطقة تزخر بمقدرات هائلة من المعادن والمحروقات إضافة إلى المياه الجوفية؛ مما سيشكّل أهم التحديات للأعوام القادمة، ويُذكي الصراع بين القوى العظمى للاستحواذ على أكبر مساحات نفوذ في هذه المناطق، التي تفوق مساحة القارة الأوربية. وفي هذا الإطار بدأت طلائع الشركات الغربية تصل إلى مالي للحصول على رخص تنقيب واستغلال للمعادن.
ويُنظر كذلك إلى إفريقيا كقطب تنموي واعد يشهد حاليًا نسبة نمو مرتفعة ويمتلك طاقات بشرية ستمكّنه من تبوّء مكانة اقتصادية مرموقة في الأفق المنظور، في حين يشهد العديد من الدول الأوروبية بما فيها فرنسا أزمة اقتصادية أدت إلى هبوط كافة مؤشرات نموها.
على المستوى التكتيكي، لجأ الجيش الفرنسي إلى الاستعمال المكثف لطائرة رافال (Rafale) في خطوة تهدف إلى إبراز قدرات هذه الطائرة المقاتلة التي لم تلق رواجًا في سوق السلاح الدولي. وقد دفعت فرنسا في أوج المعارك بحوالي 5000 جندي مدعومين بالقوات التشادية ذات الخبرة العالية في القتال في الصحراء، بينما بقي دور القوات الإفريقية الأخرى محصورًا أساسًا في حراسة وتأمين المنشآت الحساسة.
ثانيًا: نتائج عملية "سرفال"
أعطى التدخل الفرنسي نتائج مهمة على عدة أصعدة سياسية وعسكرية. من الناحية السياسية، مكّن هذا التدخل من خلق جو ملائم لإجراء انتخابات على عموم التراب المالي، أفضت إلى ظهور سلطة قانونية على المستوى التنفيذي والتشريعي، وقد ساعد على ذلك الاتفاق الذي أُبرم في واجادوجو بين الحكومة الانتقالية المالية والحركات الأزوادية المسلحة، الذي ينص من بين أمور أخرى، على إجراء مفاوضات شاملة بين السلطة التي سيتم انتخابها والحركات الأزوادية حول كافة مشاكل الشمال المالي فور انتهاء المسلسل الانتخابي.
اعتبرت فرنسا هذه الانتخابات نجاحًا سياسيًا لها في مالي ينضاف إلى انتصارها العسكري وذلك لفرض تنظيمها، رغم تحفظ الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي عليها بحجة عدم إمكانية إجراء انتخابات نزيهة وتوافقية في الآجال المحددة، يمكن أن تساهم في حل الأزمة السياسية في البلاد إلا أن إصرار فرنسا على إيجاد نظام سياسي يمكن التعامل معه، فرض إجراء الانتخابات في هذه الظروف الصعبة، التي أدت إلى مقاطعتها من بعض الأطراف السياسية الفاعلة ووصفتها بأنها نُظّمت على أساس سيناريو معين يضمن فوز المنتخب الذي ترغب فيه بعض الأطراف الفاعلة في المنطقة.
ومع ذلك مكّنت هذه الانتخابات من إخراج البلاد من الغموض الذي كان يكتنف النظام السياسي القائم بين الرئيس المؤقت والطغمة العسكرية التي تمسك وراء الكواليس بزمام الأمور.
على الرغم من اتخاذ الرئيس المالي الجديد إبراهيم ببكر كيتا، الذي اعتُرف بشرعيته دوليًا، مبادرات اتجاه دول الجوار في محاولة لحلحلة الوضع القائم في إقليم أزواد، فقد فهمت الحركات المسلحة هذه المبادرات، على أنها محاولة للالتفاف على اتفاق واجادوجو؛ مما زاد اضطراب الوضع السياسي؛ حيث لم تبدأ أية مفاوضات بين الحكومة والحركات الأزوادية، كما نص على ذلك اتفاق واجادوجو. وقد هددت الحركات الأزوادية مؤخرًا باللجوء مجددًا إلى العمل المسلح إذا لم تبادر الحكومة المالية باستئناف المفاوضات معها حول إشكالية الحكم في الشمال طبقًا لاتفاقيات واجادوجو في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس المالي قبل أسبوع أنه لن يتفاوض مستقبلاً مع أية مجموعة تحمل السلاح، وهو ما اعتُبر ردًا ضمنيًا على تهديد هذه الحركات.
وفي نفس الوقت لا تزال الحركة الوطنية لتحرير أزواد والحركات المتحالفة معها، تمارس السلطة الفعلية في شمال البلاد، خاصة في المناطق الممتدة من كيدال إلى الحدود الجزائرية-الموريتانية؛ حيث يرفرف العلم الأزوادي على القرى والمراكز الريفية، ولم تستطع القوات المالية حتى الساعة دخول هذه المناطق.
ونظرًا لانتفاء ثقتهم في القوات المالية، يشترط العرب والطوارق للعودة إلى مدنهم، إيجاد حل دائم لمشكل الشمال يضمن استتباب أمن المنطقة، وأبلغوا الهيئات الدولية والحكومة المالية بذلك.
وتدعم هذا الموقف عدة أطراف دولية ذات مصالح حيوية في مالي وبعض دول الجوار، التي لجأ إليها أكثر من 200 ألف لاجئ من سكان إقليم أزواد؛ حيث تسعى هذه الأطراف إلى إيجاد حل بين الفرقاء (الحكومة المالية والحركات الأزوادية) يضمن خصوصية الشمال ويعطي ساكنة المنطقة إمكانية تسيير شؤونها المحلية.
كما أن التوتر العرقي لا يزال السمة البارزة في الشمال؛ حيث تعرض السكان من العرب والطوارق للتصفية الجسدية ونهب الممتلكات بعد دخول الجيش المالي بعض مدن الشمال، التي أصبحت اليوم خالية من هؤلاء الذين كانوا يسيطرون على مختلف النشاطات الاقتصادية والتجارية في هذه المناطق.
وإضافة إلى التوتر السياسي يبقى الوضع الاقتصادي مترديا، إذ تنعدم كافة البنى التحتية والمرافق الاجتماعية ولم تستثمر الدولة لحد الساعة في أية برامج تنموية في مناطق الشمال، التي تنشط فيها الجماعات المسلحة وتجارة السلاح وتهريب المخدرات، مشكلة فرص العمل الوحيدة المتاحة لحد الساعة لشباب المنطقة.
أما من الناحية العسكرية فقد مكّنت عملية "سرفال"، من وقف تقدم المجموعات المسلحة نحو باماكو التي كانت مهددة بالسقوط في فترة وجيزة مما يعني القضاء على الدولة المالية بشكلها القائم منذ الاستقلال، إضافة إلى تحرير كافة مدن الشمال المالي من قبضة تنظيم القاعدة وأنصار الدين، وقامت بملاحقة الجماعات الإسلامية المسلحة في معاقلها الحصينة في آدرار إفوقاس وجبال تقرقرت. وحسب المعلومات الرسمية فقد مكنت عملية "سرفال" من القضاء على حوالي 400 مقاتل وتدمير 120 سيارة واكتشاف 220 طنًا من الذخيرة، وتفكيك معامل لصنع المتفجرات.
ومع أن مقتل 400 مقاتل يعتبر نجاحًا كبيرًا؛ إذ إنه يعني القضاء على أكثر من نصف المنتمين إلى المجموعات المسلحة، حسب المعلومات الاستخبارية المتوفرة، إلا أن هذه الحصيلة، لم تعط نفس النتيجة بخصوص قادة الجماعات؛ حيث تمكنت من قتل قائد شهير هو عبد الحميد أبو زيد ومساعده الموريتاني محمد الأمين ولد الحسن الملقب عبد الله الشنقيطي.
وقد روج تشاديون بعد المعارك الطاحنة في جبال تقرقرت لمقتل القائد الميداني المعروف مختار بلمختار ليظهر لاحقًا في شريط التحضير لعملية عين آمناس.
كما لم تتمكن هذه القوات من تحرير الرهائن الفرنسيين عل الرغم من أنه تأكد بعد تحريرهم أنهم كانوا متواجدين في جبال تقرقرت أثناء مهاجمة القوات الفرنسية لها. وتجدر الإشارة إلى أنها استطاعت مؤخرًا القضاء على أحد المقربين من بلمختار، وهو الموريتاني: الحسن ولد أخليل مسؤول الإعلام في التنظيم في إطار ملاحقة هذه الحركات بعد السيطرة على المنطقة.
وتفيد المعلومات الاستخباراتية بتحصن بعض فلول القاعدة في الغابات والمناطق الوعرة المحاذية للمدن الكبرى في الشمال المالي حيث تقوم من حين لآخر بعمليات انتحارية وقصف بالأسلحة الثقيلة ومناوشات برية؛ مما يوحي بأن هذه الحركات تمكنت من المحافظة على قوة ما زالت تشكّل تهديدًا حقيقيًا في المنطقة، وقد أظهرت عملية اختطاف وقتل الصحفيين الفرنسيين بمدينة كيدال هشاشة الوضع الأمني في هذه المدينة وخروجها عن السيطرة.
وحسب المؤشرات المتوفرة حاليًا فإن تنظيم القاعدة والجماعات المتحالفة معه، استطاع التأقلم مع واقع ما بعد عملية "سرفال" بإعادة تنظيمه باندماج بعض مكوناته في ما سُمي بحركة المرابطين، كما قام بهيكلة صفوفه في تشكيلات صغيرة متحركة تستغل المسالك التقليدية في التنقل في الشمال المالي، وتشكّل المناطق الجبلية تحصينات شبه آمنة المسالك وصولاً إلى الحدود الليبية.
ينضاف إلى ذلك وضع مدينة كيدال التي ما زالت تخضع للسيطرة الفعلية للحركة الوطنية لتحرير أزواد؛ مما يثير مخاوف لدى السلطات المركزية المالية من وجود صفقة غير معلنة بين فرنسا وهذه الحركة تُبقي بموجبها على تواجد MNLA مقابل الدعم الذي قدمته لها خلال العملية العسكرية في المناطق الوعرة والصحراء الكبرى. وينظر إلى دور الحركة الوطنية لتحرير أزواد في المنطقة، كعامل ارتكاز أساسي لقوة "سرفال"، نظرًا لخبرتها وإمكانية استغلال ذلك في استباق العمليات المسلحة التي يُتوقع أن تقوم بها القاعدة والجماعات المسلحة.
وقد نُظمت مؤخرًا عدة مظاهرات في باماكو للتنديد بازدواجية المعايير الفرنسية، كما أن الرئيس المالي أبدى امتعاضه من هذه الوضعية خلال مقابلة مع بعض وسائل الإعلام الفرنسية.
وفي هذا الوضع غير المتضح المعالم، بدأت فرنسا بسحب بعض قواتها من مالي في إطار عملية إعادة انتشار عسكري في منطقة الساحل والصحراء، ويضمن هذا الانتشار كذلك سرعة التدخل دون عناء لوجستي كبير لمواجهة تمدد الجماعات المسلحة إلى عدة مناطق؛ إذ وصلت إلى خليج غينيا في أقصى جنوب غرب القارة وفي وسطها حيث بدأت تتواصل مجموعات تتبنى الفكر الجهادي من وسط إفريقيا إلى الكونغو الديمقراطية ويُخشى أن تقيم هذه المجموعات علاقات مع حركة جيش الرب المتطرفة.
وتقضي هذه الخطة بمركزة ثلاثة آلاف جندي في هذه المنطقة مقسمين على أربعة نقاط ارتكاز، وذلك على النحو التالي:
  • مالي: حيث ستُبقي فرنسا على ألف جندي من ضمنهم حوالي 800 في مدن كاو للتدخل في الشمال وملاحقة عناصر القاعدة انطلاقًا منها. وإضافة لهذا التواجد فقد تم استحداث وحدة مراقبة وإسناد بقاعدة تساليت القريبة من الحدود الجزائرية ستلعب دورًا مهمًا في مجال الاستعلامات في المنطقة، وتعيد الحضور العسكري الفرنسي إلى هذا الجزء المهم والحساس بين شمال وجنوب الصحراء الذي غابت عنه منذ استقلال الجزائر. ويُنتظر أن يتم توقيع اتفاق في هذا الخصوص مع السلطات المالية التي ما زالت تؤجل ذلك نظرًا لحساسية هذا الوضع تجاه بعض دول الجوار.
  • بوركينا فاسو: حيث ستتواجد القوات الخاصة (COS) ذات القدرة القتالية العالية في واجادوجو ويُعوَّل عليها في المهام الصعبة والتدخلات القوية، وقد لعبت دورًا كبيرًا إلى جانب القوات التشادية في ملاحقة مجموعة القاعدة في جبال تقرقرت وآدرار إفوقاس. ويُعتبر تواجد القوات الفرنسية من المؤشرات المهمة على إعادة التموقع في المنطقة.
  • أتشاد: سيكون للقوات الفرنسية المتواجدة في العاصمة نجامينا دور مزدوج؛ إذ سيُعهد إليها بدعم قوة "سانجاريس" في وسط إفريقيا، كما سيكون بإمكانها التدخل في الشمال التشادي المهدد من طرف مجموعات القاعدة المتمركزة في الجنوب الليبي؛ حيث يُطرح الآن في الدوائر الغربية بإلحاح إمكانية التدخل عسكريًا باعتبار أن هذا الجنوب أصبح ملاذًا آمنًا للقاعدة ومكانًا لتحضير وانطلاق عملياتها ضد دول المنطقة. وستحتفظ فرنسا في نجامينا بقوة تُقدَّر بحوالي 950 جنديًا وطائرات مقاتلة من نوع "رافال" وميراج 2000، إضافة إلى وجود خفيف في قاعدة فيالارجو المحاذية لشريط أوزو الغني بالمعادن والمحاذي للحدود الليبية.
  • النيجر: سيوكل للقوة المتواجدة في نيامي عاصمة النيجر مهمة لوجستية واستخباراتية؛ إذ تتخذ منها طائرتا "ربــيــــر" -بدون طيار اللتين اشترتهما فرنسا مؤخرًا من الولايات المتحدة الأميركية- قاعدة لمراقبة المنطقة وتحركات جماعات القاعدة فيها.
ولا يُستبعد أن تقيم فرنسا نقطة متقدمة في أقصى الشمال النيجيري على غرار قاعدة "تساليت" لمراقبة جبال آدرار و"آيير" التي تشق الحدود المالية-الجزائرية-النيجرية وصولاً إلى ليبيا.
كما سيلعب ميناء أبيدجان دورًا مهمًا من ناحية التموين والإسناد نظرًا لموقعه القريب نسبيًا من دول الارتكاز الأربعة.
وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا تحتفظ منذ تدخلها الأخير في ساحل العاج بحوالي 450 جنديًا سيلعبون دور القاعدة الخلفية عند الاقتضاء.
ومع أن فرنسا قامت في السنوات الماضية بتقليص عدد قواتها في السنغال إلا أنها عززت مؤخرًا قاعدتها هناك للقيام بمراقبة الحدود الغربية لمالي ومناطق شمالية من الصحراء، ويُعهد  للقاعدة الفرنسية المتمركزة في الغابون، بالقيام بنفس الدور في وسط القارة الإفريقية.
وقد سبقت عملية إعادة الانتشار العسكري الفرنسي الجديد مفاوضات مع الولايات  المتحدة التي لعبت دورًا مهمًا في عملية "سرفال" من خلال الدعم اللوجستي للقوات الفرنسية وإمدادها بالمعلومات الاستخبارية.
ويُتوقع أن ينجم عن هذه الشراكة تقسيم الأدوار بين الدولتين في منطقة الصحراء والساحل الممتدة من المحيط الأطلسي إلى ما وراء البحر الأحمر، يتم بموجبه تقليص التواجد الفرنسي في جيبوتي، وفي هذه المنطقة بصفة عامة على أن تعزز  الولايات المتحدة من حضورها في شرق إفريقيا لمحاربة المجموعات المسلحة؛ حيث يُتوقع مواصلة العمليات النوعية في الصومال واليمن إضافة إلى دعم الدول الإفريقية المشاركة في الحرب في الصومال وتكثيف التواجد في اليمن الذي يشكّل نقطة تواصل بين فروع  القاعدة في إفريقيا وآسيا.
ولا شك أن هذه الشراكة وإعادة الانتشار العسكري الجديد تؤشر لخطة طويلة الأمد للتدخل والسيطرة في منطقة الصحراء والساحل.

المصدر- الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة الرأي الأزوادي2014